قبسات من كلمة آية الله الشيخ الأراكي في الملتقى الحوزوي الموسع: “طوفان الأقصى معركة الأمة”
كلمة آية الله الشيخ الأراكي
اليوم في مقابل إخواننا في غزة یوجد عالم الكفر كله. وهل بقي في عالم الكفر من لم يعلن بالصراحة أنه بجانب القتلة الإسرائليين؟! أمريكا، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا إلى آخره… فهنا مواجهة بين الإسلام كلّه المتجلي في أرض غزة، وبين الكفر كله المصطف في وجه هؤلاء المقاومين المسلمين المؤمنين.
نحن واثقون أنّ النصر سيكون حليف أهلنا في غزة، سوف ينتصرون. هذه الدماء سوف تندمل بالنصر الذي سيحققه الله سبحانه وتعالى على أيدي شباب غزة. (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ..) أنتم أوردتم على إسرائيل ما أذلها وأذل جيشها وأذل قادتها وسحقهم! (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).. هذه سنة إلهية لا ينبغي للمؤمنين أن يطمعوا أن يكون النصر لهم دائما، ولا ينبغي للمؤمنين أن يطمعوا في أن لا يصيبهم من العدو جرح وأذى، ينبغي أن يتوقعوا هذا الشيء. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا).. أحيانا اليد العليا لكم وأحيانا – اليد العليا المؤقتة – في زمن قصير للعدو يضرب ويقتل ويهاجم ويدمر.
لماذا تعطى هذه الفرصة للعدو؟(لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا)، ليحصل هذا الامتياز لتحصل هذه الفرقة. (وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) هذه سنة إلهية حتى يعرف المخلص عن غير المخلص. حتى يعرف المنافق عن المؤمن الثابت على إيمانه. حتى يعرف ذاك الذي يصدق العهد مع الله سبحانه. (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يسجل النصر لحساب المؤمنين. حتى يعرف أن هذا النصر من الله سبحانه وتعالى.
(ويتَّخذَ منكُم شُهداء) الشهداء في هذه الآية كما في غيرها من الآيات لا يقصد بهم الذين يقتلون في سبيل الله سبحانه. وإن كانوا هم أيضا من جملة هؤلاء الشهداء. ولكن للشهادة في هذه الآية وغيرها من الآيات معنى آخر. الشاهد هو ذلك الّذي يكون معيارًا وميزانًا يعرف به الحق من الباطل. الشاهد على الحق، الشاهد على القرآن، الشاهد على طريق الله سبحانه. ولا يكون ذلك بلقلقة اللسان فحسب، بل بوجوده ومواقفه وتضحياته وصبره وتقواه. فهو شاهد على الحق كما يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَىٰةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلْأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ) شاهدون على كتاب الله. استحفظوا كتاب الله، جعل كتاب الله أمانة في أعناقهم. فهم ممن استحفظوا هذا الكتاب وأصبحوا شاهدين على هذا الكتاب.
الذي يريد أن يعرف خط الكتاب وخط القرآن وخط الله سبحانه وتعالى لا تكفيه العبارات ولا النصوص. ففصل الحق عن الباطل ميداني، لأن العبارات والنصوص تقبل التأويل، تقبل التفسير، تقبل التوجيه.. ولكن الذي لا يقبل التوجيه والتأويل هو ذاك الذي يحضر في الميدان، ويتخذ مواقف عملية ميدانية. هذا لا يقبل التفسير، ولذلك هو الذي يكون شاهدًا على الحق.
نحن هنا اليوم فيما نشهده على أرض غزة وفيما نشهد من مواقف المقاومة الإسلامية، نحن أمام مشهد غريب، مشهد وحيد، مشهد تبلور مجموعة الشاهدين على الحق، الآن عندنا هذه البلورة، هؤلاء الصامدون الثابتون، الذين تحملوا الأذى وصبروا وتحملوا القتل وثبتوا، الإغراءات كلها لم تثنهم عن عزمهم، هذه الدنيا كلها بكل ما فيها من إغراءات لم تثنهم عن عزمهم، ثبتوا على هذا الطريق، ثبتوا على هذا السبيل، وحينما تتجلى وتتبلور هذه المجموعة المؤمنة الشاهدة ينزل النّصر، حتى يعرف من لا يعرف، وحتّى يؤمن من لا يؤمن بأن صاحب اليد العليا هو ربنا سبحانه وتعالى ليس هؤلاء الطواغيت، ليس هؤلاء أربابًا وإنّما الرّبّ هو الله الواحد الذي بيده كل شيء (بيده الأمر كله).
( لِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا) يمحصهم حتى تتبلور فيهم هذه الروحية، روحية الإيمان الخالص، حتى يتحولوا إلى عناصذر شاهدة على الحق (لِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرينَ) نحن على ثقة بأن إخواننا في غزة، بأن المجاهدين في المقاومة الإسلامية، سوف ينتصرون.. ولكن مسؤليتنا اليوم مسؤلية كبرى! حينما نقول مجموعة شاهدة تميز الحق عن الباطل، هنا يعني أن هنالك مسؤلية تلقى على رقاب الآخرين، فقد تمت الحجة عليكم وعلينا جميعا.
عرفنا أين الحق وأين الباطل، تم هذا الامتياز، تم هذا الإفراز، اتضح طريق الحق واتضح طريق الباطل، هل هنالك اليوم في العالم كله من يشك أن إسرائيل على باطل وأنها تجسم الطاغوت كله، وأنّ الطواغيت كلهم يقفون خلف إسرائيل؟! هل هنالك من شك؟! تبين الحق.. هذا التبين هذا التبلور يلقي مسؤلية علينا جميعا، علينا أن نقف بجانب الحق بكل ما أوتينا بلساننا، بأيدينا، بأموالنا.. ولا يعذر أحدٌ في أن يقصر اليوم.
كل التقصير ينشأ من ضعف إماننا، فلنكن صريحين، اليوم هو اليوم الذي ينبغي لنا جميعا أن نعطي لفلسطين، أن نعطي للإسلام، أن نعطي لمحمد (صلى الله عليه وآله) كل ما لدينا من إمكانيات، من قوة، من يد، من نصرة..
لم يقتلون هؤلاء لو لم يكونوا مسلمين مؤمنين؟! لو لم يكونوا من أتباع محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فالحجّة علينا تامّة. يجب على كل من يقدر على أن يمدّ يدًا، على أن يقدّم نفسًا أو يقدّم مالًا ينصر به أهل غزة، وينصر به المقاومين المسلمين، يجب عليه أن يفعل ذلك، وإن لم يفعل فإنّه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى! (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ).