Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار الحوزة العلميةالعناوين
أخر الأخبار

مبادئ الخطاب الإسلامي


الحلقة الثانية – آية الله محسن الآراكي


تحدثنا في الحلقة السابقة أن هناك أركان أربعة ـ أساسية ـ للخطاب الإسلامي.
الركن الأول: صاحب الفكرة: وهو المخاطِب الذي يتولى أمر الخطاب.
الركن الثاني: مضمون الفكرة.
الركن الثالث: أداة التعبير.
الركن الرابع: أهداف الخطاب: وهي الأهداف المطلوبة لصاحب الفكرة في خطابه.

وقد ذكرنا الركنين الأولين في العدد السابق، وسنتطرق في هذا العدد إلى الركن الثالث.

الركن الثالث: أداة التعبير
ولكي نحدد الأداة الصحيحة في التعبير لا بد أن نلحظ أموراً عدة:

أولا: صياغة الموقف
لكي يؤدي الخطاب الغاية التي يهدف إليها، عليه أن يحدد نوعية الشخص الذي يخاطِبَه، وبعد ذلك يتخذ موقفاً منسجماً مع طبيعة هذا المخاطَب، ولتحديد هذا الموقف لا بد أن نميز بين خمسة أنواع من المخاطَبين.

أنواع المخاطبين:

النوع الأول: المخاطَب الغافل عن خطابنا
علينا أن نجلب انتباهه إلى الخطاب الذي نحمله، وهذا يتناسب مع الرأي القائل بأنّ الكلمات المتقطعة في القرآن الكريم (الم، الـر، يس …) إنما سيقت لجلب الانتباه إلى ما يأتي بعدها من الذكر الحكيم، فإنه يحمل هذه الفكرة وهي (جلب الانتباه).

النوع الثاني: المخاطب الحيادي (الذي لا يعنيه خطابنا لا إيجاباً ولا سلباً).
في هذا النوع علينا أن نكتشف الأشياء التي تهمه، وندخل إليه من هذه الزاوية، فإن كان تاجراً ندخل إليه من باب التجارة، وإن كان مثقفاً نأتيه من الناحية الثقافية، حتى يتحول من إنسان حيادي إلى مخاطَب إيجابي متفاعل معنا.

النوع الثالث: المخاطب المتفاعل إيجاباً والمنسجم مع أطروحاتنا وأفكارنا.
وهذا النوع علينا أن نستجيب لحاجاته الفكرية التي يتطلع إليها.

النوع الرابع: وهو المخاطب الذي يتفاعل ويستمع إلينا، ولكن ليس له موقف إيجابي مسبق.
علينا اقتناص فرص التأثير في هذا الإنسان، والفحص عن العناصر التي يمكن أن تؤثر فيه، ليتقبل ما نحمله إليه، ويستجيب لمتطلبات خطابنا.

النوع الخامس: المخاطب المتفاعل سلباً والذي ينطلق من حالة عاطفية سلبية إزاء خطابنا.
وكثيراً ما يقتضي الموقف من هذا المخاطب أن تتعامل معه بطريقة الخطاب بالسلام التي عبّر عنها القران الكريم {…وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} (سورة الفرقان: 63)، حتى لو كان يتعامل معنا تعاملاً سلبياً، كأن يثير الناس ضدنا مثلاً، فيحول لغة الخطاب إلى لغة الخصومة، ولا ينبغي أن نتعامل مع هذا النوع من المخاطبين بنفس الطريقة التي يواجهنا بها، بل علينا أن نكون هادئين معه إلى أقصى الحدود.

النوع السادس: المخاطب المعاند، الذي يقف على طرف النقيض من خطابنا، ويحاول أن يسقطه بكل الوسائل والأساليب.
في هذا النوع علينا أن نتعامل معه بمبدأ { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }، بالقول اللين، ونقصد بالقول اللين السعي لخلق فرصة التأثير حتى على هذا المعادي.
فالإنسان الذي يحمل الخطاب الإسلامي لا ينبغي له أن يقفل باب الهداية وباب السماء على أحد، والله تعالى قد أتم الحجة علينا حينما بعث موسى وهارون إلى فرعون على قاعدة {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه : 44].

شروط عامة في الخطاب الإسلامي:
بعد أن أشرنا إلى كيفة التعاطي مع كل نوع من أنواع المخاطبين, يجدر بنا أن نشير إلى ما يقتضيه الخطاب الإسلامي من شروط وسمات عامة:
1ـ صيانة الذات:
أن نصون ذواتنا, عن أي انحراف، فإذا كان الطرف الذي يحاربنا ويواجهنا يحمل ترسانة إعلامية قوية، ويتصف بلغة غنية مؤثرة، ويملك إمكانات هائلة من الثروة والقوة والأجهزة والفرص الإعلامية المتنوعة، فلابد أن نحافظ على ذواتنا وخصوصياتنا الفكرية, وأن لا نسمح لوسائله مهما بلغت بإسقاطنا.


2 ـ الانسجام الذاتي في الخطاب الإعلامي:

حيث ينبغي أن ينسجم خطاب الدعاة للإسلام بعضهم مع البعض الآخر، وأن يكون خطابنا منسجماً فيما نملك من وسائل إعلامية متنوعة كالجريدة، والتلفزيون، والكتاب، والمنبر، والمدرسة، وغير ذلك، وإلاّ لاختل مستوى التأثير على الآخر, وضعفت القدرة على مواجهة حملته.


3 ـ القوة في الخطاب الإعلامي:
ولا نقصد بالقوة الحدة ورفع الصوت، بل المقصود هو أن يصدر خطابنا عن يقين، لأنّ التردد والضعف في خطابنا مع الآخر كفيل بأن يشل فاعلية وتأثير وحيوية هذا الخطاب.


4ـ مناسبة حـال المخاطب:
علينا أن نراعي ـ في خطابنا ـ حالة المخاطب النفسية، فقد يكون الطرف الآخر يعيش ظروفاً معينة، لا تتناسب مع خطابنا، فننتظر حتى تأتي ظروف أفضل ويتقبل فيها المخاطب كلامنا بشكل أكبر.

وهناك مثال حي وواقعي حدث مع النبي يوسف (على نبينا وآله وعليه السلام)، تعرّض له القران الكريم ـ في سورة يوسف ـ حيث أنّ يوسف (ع) قد لبث في السجن ردحاً من الزمن، وكان معه في السجن فتيان، ويستفاد من القصة أن يوسف (ع) لم يفاتحهما بالدعوة إلى الله تعالى إلى أن احتاجا إليه فأتياه وسألاه عن تفسير مناميهما {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَان قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف : 36 ـ 37].
ففي البداية وعدهما أنه سوف ينبئهما بتأويل الرؤيا، ولكن قبل ذلك، وبهذه الظروف المناسبة، وفي تلك الحالة المؤثرة بدأ دعوته لهما إلى الله تعالى {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.
هذا الأسلوب هو أسلوب معلم حكيم، لم يخاطبهما مخاطبة مباشرة (تعالوا: وكونوا مؤمنين، افعلوا هذا، واتركوا ذاك)، بل وصف نفسه، ووصف موقفه، وبذلك هيأ لهما الظروف الموضوعية والنفسية، ثم بدأ بتفسير الرؤيا لهما، فهما الآن يعيشان حالة نفسية معينة يتقبلان فيها كل ما يقوله هذا الداعي في السجن.


ثانياً: تحديد نوع الخطاب:

أنواع الخطاب:
النوع الأول: الخطاب التعليمي
وهو نوع من الخطاب، يهدف فيه صاحب الفكرة إلى تعليم الطرف الآخر فكرة معينة، وفي هذا النوع لابد أن تتوفر العناصر الأساسية التالية:
1 ـ الوضوح والعذوبة والسهولة في اللغة المستخدمة والاعتماد على كل وسائل الإيضاح.
2 ـ التدرج في طرح الفكرة.
3 ـ الحيوية من خلال استخدام المعلم لأساليب التنشيط، وكل ما يساهم في أن يحبب الفكرة إلى المتعلم، ويبث فيها روح الحيوية والنشاط (رحلات ترفيهية، قصص تربوية) حتى يخرج المتعلم من حالة الكسل والتعب التي يصاب بها أثناء عملية التعليم، فيخفف عنه بذلك ثقل المادة.
4 ـ خلق الشعور بالحاجة للمادة التعليمية بتبيين فوائدها وإيجاد حالة من الحب لها.
5 ـ رعاية الأدب العاطفي مع المتعلم، من خلال إقامة علاقات ودية وإيجابية مع المتعلم، ومن الواضح أن الطالب الذي يحب المعلم سوف يرتبط بالمادة ارتباطاً وثيقاً، بخلاف الشخص الذي يبغض صاحب المادة فإنه سوف يكره المادة تبعاً لذلك.
6 ـ بث روح الثقة بالنفس في المتعلم، حيث أنّ الطالب إذا فقد الثقة بنفسه، فمن المستحيل أن يطوّر نفسه، أو يواكب الخطاب التعليمي.
7 ـ رعاية الأدب الإسلامي في المعلم، من التواضع والإخلاص والاعتراف بالخطأ، فإذا ظهر له خطأ فكرة كان قد نقلها إلى المخاطب، عليه أن يتراجع عنها، وهذا مما يزيد ثقة المتعلم به.
هذه مبادئ سبعة يجب أن يتوفر عليها الخطاب التعليمي، ليكون منسجماً مع المبادئ الإسلامية الرفيعة.

النوع الثاني: الخطاب التربوي
وهو خطاب يهدف إلى تربية المخاطب روحياً وأخلاقياً..
وفي هذا النوع من الخطاب ينبغي أن تراعى كل شروط الخطاب التعليمي السبعة، مع إضافة بعض الشروط الخاصة:


1) لابدّ من خلق حالة من العلاقة الروحية الشخصية مع المتربي، ومواكبته في كل خطوة يخطوها، بحيث يلمس المتربي هذه العناية، من خلال الاهتمام البالغ به، والرعاية الدائمة له، فالتربية حالة عملية تحتاج إلى معايشة قريبة وحميمة بين المربي والمتربي، ولا يمكن أن تتم التربية من دون ذلك، فانظروا مثلاً إلى حالة أمير المؤمنين × وهو يصف علاقته بالنبي ’ في الخطبة المعروفة بالقاصعة «وضعني ـ أي رسول الله ـ في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه…، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به…». [نهج البلاغة الخطبة 185]إلى هذا المستوى الكبير، كانت العلاقة بين النبي ’ وبين أمير المؤمنين ×، وهكذا نرى أنه لا يمكن الفصل بين الخطاب التربوي وبين السلوك الخارجي، والمعايشة الميدانية القريبة.


2) توفر المربي على نسبة مقبولة من مبادئ التربية الإسلامية، التي يريد أن يربي الآخرين عليها، فلا يمكن للمربي أن يربي وهو لا يحمل مواصفات التربية، التي يريد إيصالها إلى الآخرين وهذا ما بيّنه أمير المؤمنين × في إحدى خطبه حيث قال: «من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها، أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم». [نهج البلاغة / قصار الحكم / الحكمة 73].


3) التأكيد على مضامين الأنماط السلوكية، وليس على ظواهرها، لان مقولة التربية مقولة قد تنحرف عن مسارها، عندما يقوم المربي بتلقين المتربي على ظواهر وقشور المبادئ التي يحملها، وهذا الخطأ قد يحول التربية إلى تربية سلبية، ويحول المتربي إلى عنصر خطر بدل أن يصبح هادياً مهدياً، وهذه مشكلة كبيرة لها مصاديق كثيرة في حياتنا.

وللحديث تتمة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى