- ملخص محاضرة آية الله الشيخ محمد حسين ملك زاده "المباني الفقهية لمعركة طوفان الأقصى"
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
المبنى الفقهي لشرعية معركة طوفان الأقصى
- هل القتال مع العدو الإسرائيلي بحاجة إلى إذن ولي الأمر الشرعي، مثل الإمام المعصوم أو نائبه الخاص، أو نائبه العام (الولي الفقيه)؟
- ما هو المناط الفقهي للتمييز بين الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي؟
- فقهياً، هل يمكن خروج أرض إسلامية من كونها جزءاً لدار الإسلام بالاحتلال أم لا؟
في هذه الأيام، أيام معركة طوفان الأقصى نحن كطلبة في الحوزات العلمية نبحث عن المباني الفقهية لهذه المعركة العظيمة والإجابة على أسئلة كالتالي:
إن من فروع الدين المسلمة ومن ضروريات الشريعة الإسلامية هو وجوب الجهاد، كيف لا وعشرات الآيات القرآنية ومئات الأحاديث الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام دالة على جعل حكم الجهاد ورجحانه في الإسلام، وهنا لا أعني الجهاد الأكبر وجهاد النفس، وإنما نتكلم عن الجهاد القتالي والعسكري.
الجهاد يوجد له تعاريف كثيرة في كلمات الفقهاء ومنها التعريف الوارد للشهيد الثاني نقلاً عن الشهيد الأول:
الجهاد هو بذل النفس والمال في إعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان. وللجهاد أقسام كثيرة سنتطرق للحديث عن قسمين منها فقط، التي هي الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي.
أما الجهاد الدفاعي: مقاتلة دفاعًا أو محاماةً عن الإسلام وأهله وبلاده. والإمام الخميني رحمه الله يعبر عن هذا القسم من الجهاد بالدفاع عن بيضة الإسلام وحوزته. والجهاد الدفاعي في الحقيقة هو سعي لتحقيق السلام من خلال القوة. الجهاد الدفاعي يجب على الحر والعبد والذكر والأنثى بصورة الاحتياج ولا يتوقف على حضور الإمام أو نائبه الخاص أو العام ولا الاستيذان من أحدهم.
وأما الجهاد الابتدائي: ما يذكر في الفقه بعنوان شرائط وجوب الجهاد وأحكام الجهاد من الشرائط العامة للتكليف العاقل والبلوغ مثلاً والقدرة، وغيرها. ومن كفائية وجوب الجهاد وإناطته بإذن الإمام أو منصوبه. الجهاد الابتدائي أي الجهاد الذي يبتدئه المسلمون لغرض الدعاء إلى الإسلام وهو الذي يسمى بجهاد الدعوة، كما يمكن تسميته بالجهاد الهجومي.
ما هي فلسفة هذا الجهاد، وما هو هدفه؟
استهدف هذا الجهاد إنقاذ الأمم المضطهدة وتحرير الشعوب المستضعفة وكسر شوكة السلطات الطاغية والمتجبرة والمعادية للإسلام والمسلمين التي تحكم بلاد الكفر والشرك وتحول هذه السلطات بين شعوبها وبين الاستماع إلى كلمة التوحيد والاستمتاع بالأنظمة الإسلامية وجريان الحق والعدل في جميع ساحات الحياة للناس.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقال يا علي لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، وأيم الله لئن يهدي الله عز وجل على يديك رجلاً لك خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاءه يا علي).
أصل مشروعية الجهاد الابتدائي وصحته شرعاً مشروط ومنوط بوجود الولي العادل وإذنه، حينما نقول الولي العادل أي الذي وصل إلى هذا المنصب عدلاً.
الفارق الميداني بين هذين القسمين من الجهاد أن أحدهما يقع داخل دار الإسلام (الجهاد الدفاعي)، والآخر يقع خارج دار الإسلام (الجهاد الابتدائي).
ما هو المراد بدار الإسلام شرعياً ومن المنظور الفقهي؟
في اللغة: يمكن أن يقسم الوطن من المنظور الفقهي إلى قسمين رئيسين: الأول هو الوطن الشخصي، والثاني هو الوطن الإسلامي. ولا يوجد تمايز جذري بين تعريف الوطن الشخصي والوطن الإسلامي، وحديثنا في الوطن الإسلامي:
الذي يرتبط بتواجد جمع من المسلمين في قطر أو وجود الدولة الإسلامية في أرض، فهو مندرج في الفقه تحت قسمين:
- سوق المسلمين: كما تعلمون جيداً هو عنوان لقاعدة فقهية بمعنى أمارية سيطرة المسلمين على منطقة أو غلبة وجودهم فيها للحكم بإلحاق من يشك في إسلامه في هذه المنطقة بالمسلمين. ومستند القاعدة إضافة إلى التسالم وسيرة المتشرعة القطعية على الاعتماد على سوق المسلمين بالنسبة إلى الطهارة والذكاة وغيرهما من دون سؤال عن شأن البائع.
- دار الإسلام: أما دار الإسلام، عنوان سياسي حقوقي آخر يطلق على الوطن الإسلامي ولكن بملاك يختلف عما يعتبر في إطلاق سوق المسلمين، دار الإسلام عنوان سياسي حقوقي مرتبط بوجود سلطة الإسلام والمسلمين على أرض ولو أن الموجود من المسلمين حالياً في تلك الأرض كان شخصاً واحداً، ولكن السلطة بيد المسلمين.
أما الأراضي الداخلة في دار الإسلام: الأراضي الإسلامية تنقسم باعتبار سبب دخولها في حوزة الإسلام، وطريقة إنضمامها إلى دار الإسلام إلى أقسامٍ، منها:
- الأرض المسلمة طوعاً وبالدعوة.
- أرض الصلح.
- الأرض المسلمة فتحاً، أي الأراضي المفتوحة عنوةً.
إن من الأمور المؤكدة في القرآن الكريم هو الهجرة إلى دار الإسلام والإقامة بها، وكذلك إيواء المهاجرين ونصرتهم من قبل المقيمين في الوطن الإسلامي، والجهاد معاً في سبيل الله ولأجل تحقيق الأهداف السامية وبناء الحضارة الإسلامية.
هل إن فلسطين بعد احتلالها صارت جزءًا من دار الكفر، كي يعد الهجوم على الصهاينة الغاصبين لها جهاداً ابتدائياً؟ أو لم تخرج من كونها جزءاً من دار الإسلام؟
وهل القتال مع الصهاينة في فلسطين من قبل غير الشعب الفلسطيني بحاجة إلى إذن الإمام وولي الأمر الشرعي، أم لا يتوقف على إذن أحدٍ ويجب بالحكم الأولي وبنحوٍ كفائي على كل مسلم ومسلمة؟
وهل كانت فلسطين متلبسة بمبدأ وعنوان الوطن الإسلامي والآن وبعد الاحتلال انقضى عنها التلبس بهذا المبدأ والعنوان؟
قلنا إن فلسطين حدوثاً كانت جزءاً من دار الإسلام، أما بقاءً:
قلنا أن المعيار والمناط والملاك في تسمية أرضٍ بأنها جزء من دار الإسلام وجود السيطرة السياسية للمسلمين في هذه المنطقة. والآن نتكلم عن فلسطين، هل هناك سيطرة حكومية لفلسطينين في فلسطين أم لا؟
حالياً الضفة الغربية وغزة تحت سيطرة فلسطينين، هذا مما يعترف به العدو، فلا نتكلم عن هاتين المنطقتين. أما بالنسبة إلى مناطق فلسطينية أخرى، وهناك رأي سائد في الفقه:
وهو أن الحدوث يكفي في تسمية أرضٍ بأنها أرض إسلامية أبداً، يعني تدخل الأرض تحت سيطرة المسلمين وتصير بهذا من دار الإسلام ولا تخرج منها أبداً، ولكن هناك استثناء وهو:
مثلاً، توجد أرض كانت في زمنٍ جزءاً لدار الإسلام ولكن الكفار عندهم سيطرة على هذه المنطقة بهجومهم واحتلالهم، وصارت هذه المنطقة تحت سيطرة الكفار ولكن بعد مرور عقود صارت لا تسمى بمنطقة إسلامية عرفاً، يقول كانت أرضاً إسلامية في التاريخ، أي أن جيش المسلمين وصل إلى هذه المنطقة، هذا استثناء.
فالدخول حدوثاً في دار الإسلام يكفي بأن نحكم أن هذه المنطقة منطقة إسلامية.
وهكذا يتضح أن استنصار مسلم في فلسطين المحتلة يختلف عن استنصار مسلم في اليابان مثلاً أو في دولة غربية مثلاً، لأن فلسطين جزء لا يتجزء من دار الإسلام، أولاً ما خرجت من دار الإسلام، وثانياً لو نشك الاستصحاب هو المرجع.
ولنفترض أن فلسطين خرجت من دار الإسلام والهجوم على الصهاينة من الجهاد الابتدائي، والجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن ولي الأمر الشرعي، والآن ولي الأمرالشرعي هو الولي الفقيه، هل هذا الإذن موجود أم لا؟
لا شك أن هذا الإذن موجود بصورة عامة.