المقدمة:
قبل عرض أبرز النظريات التي تعرضت لتفسير وتحليل ثورة الإمام الحسين (ع) تجدر الإشارة إلى أننا سوف نستبعد أي نظرية ضعيفة وغير مشهورة، ونركز فقط على النظريات المشهورة حتى وإن كانت ضعيفة.
بداية لابد من الإشارة إلى أن سنة 1970م شكلت منعطفاً في دراسة تاريخ ثورة الامام الحسين وذلك بمناسبة صدور كتاب” الشهيد الخالد ” (شهيد جاويد) الذي ألفه الشيخ المرحوم نعمت الله صالحي نجف آبادي المتوفى عام 2006م، فمنذ تلك السنة وإلى يومنا هذا تطورت الدراسات الشيعية المختصة بثورة الإمام الحسين (ع) تطوراً مذهلاً، فقد أدى هذا الكتاب إلى حصول طفرة نوعية و جدل و اسع في الأوساط الشيعية، و الآن سوف نستعرض و بشكل مختصر أهم وابرز النظريات (القديمة والحديثة) في ثورة الإمام الحسين(ع)
النظرية الأولى :النظرية الغيبية الإختصاصية:
تعد هذه النظرية من أقدم النظريات في مقاربة نهضة الإمام الحسين(ع) ويمكن اعتبارها النظرية التقليدية في الفكر الشيعي ،وتقريب هذه النظرية هو أن الإمام الحسين (ع) انطلق في ثورته لأوامر غيبية خاصة به فقط ، فلم يهدف الحسين (ع) إسقاط أنظمة و لا تأسيس دولة إسلامية، و لا إحياء ضمير الأمة، كل ما في الأمر أنه ونظراً لعصمته وإمامته فقد تلقى أوامر غيبية لا نقدر نحن على تقديم تفسير عقلاني لها، ولا أن نفسرها تفسيراً سياسياً ولا اجتماعياً ولا …..وإنمّا هو سلام الله عليه طبّق تلك التعاليم الربّانية بعيداً عن أي حسابات ميدانية ، نعم ترتب على ثورة الإمام الحسين (ع) نتائج باهرة على أرض الواقع، فأوجدت لنا مدرسة الثورة والرفض للسلطان في حياة المسلمين، و أسقطت بعد حوالي سبعة عقود سلطان بني أمية، لكن مع ذلك كلّه لم يكن هذا منظوراً للحسين لحظة خروجه، بل كان المنظور له أوامر غيبية وُجّهت إليه. وهناك من يستوحي من كلمات ابن طاووس “صاحب كتاب اللهوف” أنه كان يرى أننا متعبدون بثورته، وبمعزل عن أي تقييم لهذه النظرية، فإنّ لها تأثيراً ملحوظاً على الفكر الشيعي، حيث تجعل هذه الثورة من خصائص الإمام الحسين(ع) فكما أن هناك أحكاماً وواجبات وتشريعات خاصة بالنبي(ص)، كذلك كانت ثورة الحسين
تكليفاً خاصاً به، أي انها غير متوجه إلى غيره، و يستشهد أصحاب هذه النظرية ببعض النصوص منها:
ما ورد من طلب الإمام الحسين(ع) من والي المدينة، عندما طلب منه البيعة ليزيد، طلب الإمام منه أن يمهله فترة، فذهب الإمام إلى مرقد النبي (ص) فهناك غلبه النوم فرى النبي (ص) في المنام، فطلب منه الحسين أن يأخذه إليه، فأجابه رسول الله (ص): شاء الله أن يراك قتيلاً. قد يفهم من هذا النص أن هناك إيحاءاً غيبياً هو الذي حرّك ثورة الإمام الحسين(ع)، إذن فلم يكن يخطط الإمام الحسين(ع) لإسقاط الحكومة، ولا أخذ في حساباته التطورات التي سوف تحدث، و لا قام بدراسة سياسية ميدانية للموقف، بل الحركة في كل أبعادها يغلب عليها الطابع الغيبي، الذي لا يمكن إخضاعه للمعايير العقلانية.
النظرية الثانية: نظرية الفرار من البيعة (الثورة الإضطرارية):
تذهب هذه النظرية إلى أن ثورة الحسين(ع) ما كانت تهدف إلى إسقاط نظام، ولا إحياء ضمير الأمة، وإنما كانت تريد الفرار من بيعة يزيد بن معاوية، فلو لم يحاول بنو أمية الضغط على الحسين(ع) كي يبايع يزيداً لظلّ في مدينة جده (ص)، لكن حيث أنهم فرضوا ذلك عليه وأصّر هو من جهته على موقف الرفض، لم يجد بدّاً من المواجهة، فالمواجهة لم تكن مشروعاً لحركته، بل لجأ إليها اضطراراً.
النظرية الثالثة..النظرية سياسية:
يذهب أنصار هذه النظرية إلى أنَّ الإمام الحسين(ع) كان يريد أن يسقط الجسم الفاسد المنحرف من دولة بني أمية، ورسائله ومراسلاته والتي هي عديدة ومذكورة في كتب التاريخ تؤكد ذلك، بل من يقرأ هذه الثورة ويحللها لا يفهم منها سوى إرادة تأسيس نظام إسلامي عادل في العراق كمقدمة لعودة دولة الإمام علي(ع)، وخروجه عليه السلام مثّـل خطوة لهدم النظام الجائر في بلاد الشام.
والشواهد على هذه النظرية كثيرة لا تكاد تعدُ ولا تحصى، فأخذه لأهل بيته (ع) تدل هذه على أنه (ع) كان يريد أن يستقر في العراق، لأن القافلة كانت تحمل أموالاً وأثاثاً للسكنى هناك، وأيضاً خطابه لأهل الكوفة و تذكريهم بخذلانه والتخلي عنه،هذا التفسير هو الذي طرحه الشيخ صالحي نجف آبادي والذي تبناه غيره من أمثال السيد علي الأمين في لبنان وآخرين.
و قد ورد في بعض النصوص مثل تاريخ الطبري أنَّ الإمام الحسين(ع) كان يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، و ان يسير على سيرة أبيه وجده، وهذه من النصوص المهمة في حركة الإصلاح في الاُمة، و يضاف إلى ذلك أن من يخرج إلى الثورة، يوطن نفسه ويعد أنصاره للشهادة، فهذا هو منطق الثورات التي تريد التغيير والإمساك بزمام السلطة .
النظرية الرابعة ..النظرية الرسالية الإحيائية:
وهي نظرية باتت معروفة اليوم، و قد اشتهرت بها مدرسة الشهيد محمد باقر الصدر والشهيد علي شريعتي حيث ذكرا هذه النظرية في مواضع متفرقة وعديدة من كلماتهم ومؤلفاتهم، ومن ثم شرحها وبسطها تلامذة الشهيد الصدر مثل الشيخ الآصفي والسيد محمود الهاشمي وآخرون.
خلاصة هذه النظرية أن الإمام الحسين(ع) في نهضته كان يواجه في الأمة مرض موت الضمير وفتور الهمم، وضياع القيم ، ففي فترة العشرين عاماً السابقة على نهضته، قام معاوية بحرف وعي الأمة وكسر عنفوانها وقتل روح العزة والشموخ فيها، ولهذا كان جوهر الإصلاح في ثورته عليه السلام هو الاستشهاد كي يصحو ضمير الأمة ويهتزّ كيانها بواقعة استشهاده واستشهاد أولاده وأصحابه، بما يعيدها حيّة من جديد لتعيد هي أي الأمة إحياء الإسلام في واقعها كله. وكل تلك النصوص التي تتحدّث عن إرادته(ع) في إصلاح الأمور يمكن أن تساعد على هذا التفسير.
إعداد: عماد الهلالي