باسمه تعالى
يفتخر الشيعة الإمامية بأنهم جزءٌ من أمّة الإسلام، هذا الدّين العظيم الذي أنعم الله تعالى به على العباد وختم به الرّسالات، ونفتخر أيضاً بأنّنا ننتمي إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، أهل البيت الطاهرين الذين هم ذرية الرسول وفرعه الطيب، ونفتخر أيضاً بأننا نلتزم بالمذهب الجعفري من مذاهب أهل البيت، لأن المذاهب التي تنتمي إلى أهل البيت كثيرة، والمذهب الجعفري الذي ينتسب إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هو المذهب الامامي الاثنى عشر، ونحمد الله تبارك وتعالى على كل هذه النعم، نعمة الإسلام ونعمة التشيع ونعمة الجعفرية، نحمده تعالى ونشكره على كل هذه النعم التي وقفنا لها.
بالنسبة لأهل البيت وأئمة أهل البيت الاثنى عشر سلام الله عليهم، هناك تقصير في التعريف بهم، لأن الأئمة سلام الله عليهم وولايتهم هي جزء مهم من أجزاء البنية الإسلامية، فالروايات تقول بُني الإسلام على خمس، وأهم هذه الأعمدة التي بُني عليها الإسلام هي الولاية، ويقصد بالولاية ولاية أهل البيت (عليهم السلام).
الولاية لابد ان تُعرف كما كل عقيدة وكل شيء كالصلاة والصوم، التي هي أيضاً من الاعمدة لابد ان تُعرف حتى يُعمل بها، لأن الشيء إذا لم يُعرف كيف يعمل به؟ فإذا كان هناك إنسان لا يعرف الصلاة ولا يعرف حقيقة الصلاة ولا يعرف أركان الصلاة، لا يمكن ان يؤدي الصلاة وكذلك الولاية، نحن نلتزم بولاية أهل البيت (عليهم السلام) فلابد لنا من معرفة هذه الولاية، هذا شيء واضح والشيء الذي يجب علينا كموالين ومنتمين إلى هذا المذهب هو تعريف هذه الولاية للآخرين، هذا أيضاً من واجبنا نحن.
أنتم كما تعلمون التاريخ ظلم ظالم للحق وظالم لأهل البيت خاصة، أهل البيت سلام الله عليهم عاشوا في هذه الدنيا بكل وجودهم لخدمة الإسلام، ولكن الظروف التي كانت تحيط بهم كلها كانت ضدهم من ناس ومن حكام، فلهذا يجب علينا ان نعرّف أهل البيت ونعرّف حقيقة أهل البيت (عليهم السلام)، هذا هو واجبنا وإلا فأهل البيت سلام الله عليهم لو تركنا أمرهم إلى أُناسٍ جهلة، فالناس لا يعرفونهم، لماذا؟ لأنهم حاربوهم وجوداً وحياةً وسياسةً وكل شيء، وحاربوهم حتى في الكتب وحتى في الروايات وحتى في التراث بالنسبة إلى الأئمة سلام الله عليهم، فالجهود التي بذلت كثيرة جداً والمؤلفات التي كتبت عن الأئمة كلهم كثيرة جداً، لكن تعلمون ان التطور الفكري والمناهج العلمية تختلف من عصر إلى عصر، نحن الآن في عصر يحتاج إلى التحقيق والتدقيق بشكل آخر، سابقاً كانوا إذا ارادوا ان يترجموا لإمام أو لشخصية ينقلون النقول والروايات بأسانيدها ويسرودنها سرداً من دون ان يحللوا أو يربطوا شيئاً بشيء، لأن المنهج كان هكذا، وكانوا يضعون هذا التراث وهذه الروايات أمام أعين الناس، والناس حسب أهواءهم، حسب أراءهم، حسب مناهجهم، يميزون ويأخذون ويردون لكن نحن الآن في عصر تحقيق ومقارنة ودراسة فلهذا الواجب علينا ان نعمل شيئاً أكثر مما نتوقع ان يعمله الآخرون، نحن واجبنا تجاه أهل البيت أولاً المعرفة، ثانياً التعريف.
بالنسبة إلى الإمام السجاد (عليه السلام)، كما هو المشهور والمعروف والمركّز في الاذهان، أنه كان إماماً مريضاً مظلوماً مشتغلاً بالدعاء والعبادة، هذا هو المظهر الكلي الذي قد يكون عند اكثر الأذهان سواء عند الشيعة أو عند حتى أهل السنة الذين يعترفون بأن الإمام (ع) كان إماماً زاهداً عابداً متقياً ورعاً يبكي ليل نهار.. الخ. طبعاً نحن نفتخر بأن كَونَ الإمام هكذا ليس نقصاً في الإمام، هذا لأن الإمام في الحقيقة يعرف الله بحقيقته ويعرف الله بذاته، هو الذي يخاف من الله حقيقة لأنه عارف بالقضية، فحق له أن يبكي، ولكن البحث لا ينتهي هنا، لأننا نحن الإمامية نعتقد ان الإمام السجاد (ع) إمام، والإمام له مقام خاص وله وظيفة خاصة وله واجب بحيث ارتفع به إلى مقام الإمامة، نحن لا نفرق بين الأئمة من حيث هذا المقام، بين الإمام علي أو الإمام السجاد أو الإمام صاحب العصر (عج) الذي هو غائب، نحن نعتقد ان مقام الإمامة إذا حصل عليه أحد فكله مساوي( يقصد كلهم متساوين)، وكلمة كلنا نور واحد من هذه الجهة، يعني كلهم مقامهم مقام واحد ولا تمييز بين هذا المقام وذاك، لكن تلك النظرة العامة الموجودة، أي تلك الأوصاف التي وصفوها للإمام السجاد، قد ميزته عن بقية الأئمة في جهات عديدة.
قرأت كتاباً لأحد المؤلّفين طبع في اليمن ذكرت اسمه هنا، هذا المؤلف هو اشتراكي وليس مسلماً أو بعثياً …
من أين عرفتُ هذه النقطة أنه كتاب طبعته دار الطليعة، ودار الطليعة من الدور التي تطبع كتب الاشتراكيين في بيروت، المهم فتحت الكتاب وقرأته، وکان يبحث عن الهادي إلى المقر أحد أئمة الزيدية، هذا الإمام ظهر في اليمن في نهاية القرن الثاني أو الثالث، ظهر في سنة (280) وأسس دولة في شمال اليمن ومات سنة (298)، ظاهراً على كل حال كان رجلاً معروفاً بالشجاعة، معروفاً بالبطولة.. وهم يقدسون هذا الرجل إلى الآن ويعتبرونه أماماً حتى في الفقه ولهذا عندهم فرقة يسمونها الهادوية تنتمي إلى هذا الرجل، ففي مقدمة هذا الكتاب يبدأ يذكر قضية الزيدية ومن أين بدأوا يمجدون بزيد الشهيد، زيد بن علي الشهيد ابن الإمام السجاد (عليه السلام) وكيف كان يعظم حركته ويعظم جهاده وأنه جاهد الأمويون وقُتل واستشهد إلى آخر القضية، في ضمن حديثه يتهجم على الإمام السجاد ويقول أن زيداً كان بطلاً شجاعاً كذا كذا بعكس أبيه الذي كان متخاذلاً وموافقاً للأمويين كان كذا كذا، أنا لما قرأت هذا تأثرت كثيراً أنه كيف يسب الإمام في مقام مدح ابنه؟ هذه المصيبة تعبر كثيراً، لو سبَّ أحدٌ شخصاً الآخر على أساس أنه عدوه، فهذا معقولٌ بعض الشيء، اما على اساس ابنه فلماذا يسب؟ تأثرت كثيراً فقررتُ في نفسي أن أقرأ حقيقة الإمام السجاد ما هي قضيته؟ هل هو واقعاً ما كان في ذهني أو ماهو معروف من ان الإمام إنسان منعزل ومشغول بالدعاء، مشغول بالعبادة والبكاء على الحسين (عليه السلام) وكذا، يعني هل هذا هو شغله كإمام؟ كيف يكون ذلك؟ فقررتُ ان أتابع سيرة الإمام وحياة الإمام في جميع ما أُلّف وكُتِب، وبدأت اقرأ فتفاجأت مفاجأةً عجيبة! وهي أنه قضية انعزال الإمام السجاد (عليه السلام) عن السياسة وجلوسه على جانب وعدم تدخله في الأمور الاجتماعية، هذا كأنه مسلم عند جميع الكتاب، فقد رأيت السني يقول هذا، ورأيت الشيعي يقول هذا، والزيدي يقول هذا، حتى في عصرنا الحاضر رأيت بعض الكتاب يقولون هذا، تعجبت من هذا الاجماع على هذه القضية عند المثقفين والكتّاب، كنت أقول انَّ هذا شيءٌ شائع عند الناس أو عند العوام أو عند الكذا، يعني بدون تحقيق، ولكن أولئك المؤلفين في هذه القضية كيف اتفقوا على أن الإمام انعزل عن السياسة؟ كتّاب قدماء، معاصرين، جامعيين، فيهم امرأة وفيهم رجل ماهذا الاتفاق؟ تعجبت، ومن الغريب أنه رأيت ان هذه الفكرة تنسب حتى إلى بعض العلماء الأجلاء وينسبونها إلى السيد الشهيد الصدر في كتاب الأئمة (تنوع أدوار ووحدة هدف) فتعجبت، في الحقيقة هذا الكتاب الذي ينسب إلى السيد الشهيد هو عبارة عن شريط منقول، ولهذا انا شككت في النقل أو الناقل، بعد ذلك رأيت أحد تلامذة السيد يلتزم بهذه الفكرة ويصرّح بأن الإمام انعزل عن السياسة، طبعاً هذه النقطة بقيت في نفسي، وأصبحت مشكلة عندي ان هذا الاجماع كيف يحل وكيف يفسر، بدأت أقرأ السيرة بكل جوانبها وكل ما كتب عنها، وأيضاً كل ما كتب عن الإمام السجاد (عليه السلام) حصلت عليه باللغة الفارسية والعربية لمعرفتي باللغتين بقوة، قرأتها كلها، وقرأت كتب التراث عن الإمام السجاد، يعني كل ما كتب في الروايات السنية والشيعية، من التواريخ القديمة والروايات، كلها جمعتها وفرزتها يعني فتشتها، كل منقولةٍ، كل قطعةٍ، كل رواية فرزتها. الحقيقة، لما انتهيت من فرز الاوراق وقفت على شيء غريب وهو ان الإمام السجاد كان يعمل عملاً سياسياً بدقة كاملة، يعني كان يحاول ان يدخل وجوده وفكره
في أعماق المجتمع ويعارض الدولة في كل خطواته..
هناك مفارقة: إن السياسة التي يريدون ان ينفوها عن الإمام (ع) ما هي؟ وهذا الاجماع على نفي السياسة، ان الإمام غير سياسي، ان الإمام لم يعمل عملاً السياسياً.
السياسة حسب التعبير العصري هي إدارة البلاد وادارة شؤون العباد والأمة والتزام الحكم والسعي في الوصول إلى الحكم، هذا من صميم الإمامة التي نعرفها نحن، يعني الإمام في تعريفنا هو الذي يلتزم بأمور العباد والبلاد ويحاول اصلاحها دينياً واجتماعيا،ً لمّا راجعنا كتب الكلام رأينا ان الإمامة تفسر بهذه الطريقة. حسناً، من جانب آخر نحن نعتقد بأن الإمام السجاد (عليه السلام) إمام. فهل يمكن للإمام السجاد وهو إمام ان ينعزل أو يترك واجبه المقام، وهو قضية إدارة البلاد والعباد؟ غير ممكن، لأن الإمامة منصب إلهي له وليست شيئاً اختيارياً حتى ينزعه، وهذه هي المفارقة المهمة التي نواجهها في قضية الإمام علي (عليه السلام)، فالسنة يتصورون ان الإمام علي (عليه السلام) عندما أُخذت الخلافة منه واستولوا على الحكم يتصورون أنّ الإمام علي كأنما تنازل عن الإمامة، ولكن من غير الممكن ان يتنازل عن الإمامة لأن الإمامة منصب إلهي موضوع له سواء حَكَم أم لم يحكم، سواء قعد على الكرسي او لا، ولهذا الرسول (ص) يقول في الحسن والحسين هما إمامان قاما أو قعدا، والقعود والقيام ليس شيئاً مؤثراً في أصل الإمامة نعم، الحكم والسيطرة يرتبطان بالقيام أما نفس الإمامة فهي منصب إلهي، مقام إلهي له مقومات في الشخص سواءٌ قام أو لم يقم، والإمام علي في زمان قيامه كان إماماً، وأولاده كانوا يعتبرونه إماماً في الفترة التي أصبح خليفة فيها، يعتبرونه خليفة وإمام أما في الفترة السابقة ليس امام، لكن ليس هكذا عندنا، لماذا؟ لأن الامامة تعريفها عندنا شيء غير هذا.
فالمقام، مقام الادارة، مقام التولي إذا غصب هذا المقام منه فليس معنى ذلك ان الإمامة انفصلت عنه.
اما لو راجعنا التراث وراجعنا المصادر وراجعنا كلمات الإمام وجدنا فيها عجائب ترتبط بهذه القضية حسناً، نحن طبعاً عندما نتكلم عن الإمام السجاد، فنحن الشيعة الإمامية نتكلم عنه كإمام، إمام مفروض الطاعة فنقّر له، أما الزيدية كيف؟ والسنة كيف؟ فلهذا فصلنا الأمرين في مقدمة بعنوان التمهيد أثبتنا في المقدمة الاولى معنى الامامة وحقيقة الامامة حسب نظرنا وحسب نظر بقية المتكلمين حتى نقول لهم ان الإمامة لابد ان تقترن بالسياسة، لابد ان تقترن بالادارة لابد ان تقترن بمصلحة الناس. هذه نقطة والنقطة الثانية في المقدمة قضية إثبات إمامة الإمام السجاد (عليه السلام) في نظر الشيعة، هو الإجماع على إمامته والمعجزات وكذا الأدلة المثبته في كتب الكلام عندنا والشيء الذي وجدناه وهو مهم، أن هناك رواية أو نص يدل على الإمامة وهو مروي عند أهل السنة والزيدية وعندنا تقريباً، هذه الرواية متفق عليها عند جميع الفرق التي هي الفرق المطروحة، يعني الفرق الكبير الموجودة فعلاً على كل حال في هذا التمهيد؛ فصّلنا عن هذين الأمرين حتى تكون كمقدمة للدخول إلى اصل المطلب، دخلنا في الفصول لنرى ما هو عمل الإمام السجاد (عليه السلام) وكيف عمل الإمام السجاد طيلة حياته في مقام الإدارة، مقام السياسة، في مقام التصدي والتمدي فوجدنا أموراً عجيبة، أيضاً هناك نقطة بيننا وبين الزيدية، أن الزيدية الموجودين فعلاً وأكثرهم في اليمن لا يعتقدون بأن الإمام السجاد هو إمام من الأئمة، بل يقولون أنّ الأئمة المنصوص عليهم بعد الرسولِ(ص)، عليٌ (عليه السلام) ثم الحسن والحسين (عليهما السلام)، هؤلاء يعتقدون بالنص المباشر عليهم، وأما الإمام السجاد فعلاً لا يقولون بإمامته، بل يقولون هو من الدعاة، فينتقلون من الحسين (عليه السلام) قسم منهم إلى الحسن الرضي وهو الحسن المثنى، الحسن بن الحسن المجتبى، ويسمونه المثنى أو الرضي أو الرضى في اختلاف، هذا الرجل كان من الموجودين في كربلاء وجرح وبقيَ بعد كربلاء إلى أن خرج محمد بن الأشعث ودعا اليه كما يدّعون، نفس هذه الدعوة يعتبرونها إمامة، هم يشترطون في الإمامة أن يكون الإمام متصدياً، أن يكون معلناً لنفسه بعنوان إمام فيتعبرون الحسن الرضي أو الرضى بهذا الشكل، فيقولون أن محمد بن الأشعث دعا اليه، إذاً هو إمام، ومن بعده ينتقلون إلى زيد. هذه الفترات كلها يتخلون عن الإمام طبعاً لأنه لا يوجد إمامة، وهذه من الاشكالات عليهم أنه في هذه الفترة من هو إمامكم؟ ومن مات في هذه الفترة يموت بلا إمام وينطبق عليه من مات بلا إمام مات ميتة جاهلية، فلهذا هم يتغاضون عن هذا الحديث، وهو من الأحاديث التي لا يتداولونها ولا يبحثون عنها. كما لا يبحثون عن حديث الأئمة الإثنا عشر، لأنهم سيقفون على مشكلة فلا يروونه أبداً في كتبهم ويستشكلون عليه أيضاً (على كل حال هذا له جمال بحث آخر) فنحن لأجل أن نثبت لهم، ونلزمهم بإمامة السجاد، – لأن البحث كما قلنا في المقدمة مع زيدي يعني مع شخص يعيش في اليمن ويريد ان يدافع عن زيد في الحقيقة على حساب الإمام السجاد – .
بالنسبة إلى حياة الإمام السجاد ونضاله قسمناه إلى فصول النضال العملي، وهو الحضور في الساحة أعم من حمل السلاح أو عدمه، الحضور في الساحة، في الميادين، والعمل الاجتماعي، أو الجهاد الاجتماعي في مسألة الاصلاح، وكذا العمل الروحي في الدعاء والزهد والعبادة.
بالنسبة إلى المورد الاول، الحضور في الساحة، عثرنا على رواية مهمة كانت تقريباً ضائعة أو غير مذكورة في تراثنا نحن الأمامية مطلقاً، وهو ان الإمام السجاد في كربلاء حارب، وكان من المحاربين وجرح وأخرج من المعركة مجروحاً وهذا هو سبب مرضه، الآن تسمعون أنه دائماً يقال ان الإمام السجاد كان مريضاً ولكن سبب مرضه ما هو؟ لا أحد يذكر سبب مرضه لماذا مرض؟ هل مرض مرضاً عادياً يعني؟ لا أحد يذكر هذا الشيء. هذه الرواية تصرح بأنه حضر بعض القِتال وارتث( ارتث في اللغة العربية بمعنى جرح في المعركة وأخرج من المعركة جريحاً وبه رمق يعني لم يقتل ولم يمت وأخرجوه جريحاً هذا يسمى المرتث) فإذاً، إذا حضر بعض القتال وجرح معناه أنه قاتل، وإذا قاتل تحقق شرط الزيدية في الإمام من أنه يجب ان يقاتل وهنا ألزم الزيدية به لمّا حاججتهم بهذا وحاججت بعض المعاصرين، عندها قالوا إنّا من اليوم نعتقد بإمامة السجاد، لأن شروطهم هي ان يحضر الإمام في معركة من المعارك ويكفي هذا، وهذه الرواية زيدية مثبتة في كتب الزيدية بأسانيدهم ونحن إنما ذكرناها للإلزام، وطبعاً بما أنه لا معارض لها يعني لا نافي لها، ونحن في باب المنهج الرجالي أثبتنا أن الرواية إذا لم يكن هناك معارض لها فهي حجة، أي أنّ الرواية المذكورة بأي طريق كان حتى لو كان ضعيفاً أو مرسلاً لكنها متداولة، إذا لم يكن لها معارض أقوى منها فهي حجة طبعاً، هذا من باب الأحكام، أما في باب غير الأحكام فهو أوضح حجية ودلالة أن مسائل القضايا التاريخية والقضايا العرفية، لا تحتاج إلى الدقة الموجودة في باب الاحكام من حيث السند. وكذلك تعرضنا لحالة الأسر التي كان فيها الإمام السجاد بعد كربلاء، وتعرضنا للخطبة التي قرأها في الكوفة وفي الشام، وأخذنا من كل جملة من جملها ما يدل على التحدي وما يدل على إعلان نفسه ووجود نفسه كعنصر مهم، طبعاً تعرفون أن هكذا عمل في تلك الظروف يعتبر شيء مهم، لأن الإنسان في حالة أسر عند من؟! عند الذي يقتل الحسين ولايبالي فكيف بعلي بن الحسين وهو أسير؟ وكذلك بعد ذلك لما هاجر السجاد (عليه السلام) إلى المدينة وبقي في المدينة، تعرضنا لأعماله وتصرفاته، واقتنصنا من كل عمل ما يرتبط بقضية المناضلة والجهاد والنضال والمقاومة. وفي الفصل الثاني ذكرنا النضال العلمي ثم العملي، تعلمون ان الجهاد أو النضال يكون ضد الدولة الظالمة والدولة الغاصبة، والنضال الفكري هو من أهم النضالات، الآن في مجتمعنا الحاضر هذا شيء واضح جداً، الآن إذا كانت هناك دولة ظالمة تستولي على البلد، وتمنع أي جهد ثقافي في سياستها، فأي إنسان الآن يصدر منشوراً ضد الفكر الذي تقوم بها الدولة أو العمل الذي تقوم به الدولة، هذا يعتبر نوع من النضال يعني ليس خارجاً عن السياسة، بل هو من عين السياسة، أن يكون الإنسان في مقام التحدي والتصدي لأفكار الدولة الحاكمة، فالإمام السجاد في مجالات عديدة تعرض لهذا الأمر، وقد اقتنصنا من كلماته، من ادعيته ومن رواياته كل شيء يرتبط بهذا الأمر في مجال القرآن، وفي مجال العقيدة، فمثلاً قضية الجبر التي أحدثها الأمويون، حيث نجد أن معاوية يصعد على المنبر ويقول: (الله اراد ان أصير ملكاً ولو كان الله لا يريد لا أصير فإذاً حكومتي من أين؟ من الله تبارك وتعالى)، هذا الجبر الذي يعتقد به العامة إلى يومنا هذا لما يستولي الحاكم الظالم عليهم، يقولون ان الله اراد ذلك وليس لنا حق ان نعارض، فإذا عارضنا فقد عارضنا ارادة الله تبارك وتعالى، وأنّ الله قادر على ذلك الحاكم فلماذا لا يقتله أو ينحيه؟ وهذا غل، هذا مبتني على قضية الجبر.
فالإمام السجاد في هذا المجال عنده كلمات وأدعية وخطب صريحة واضحة في نفي الجبر، أليس هذا تحدياً للدولة؟ الآن إذا أراد أحدنا ان يصير مجاهداً أو مناضلاً ماذا يفعل؟ يتكلم كلمة واحدة و أو يصدر بياناً ويعتبر نفسه مجاهد عظيم.
بينما هذا العمل الذي كان في ذلك الجو، ذاك الظرف في تلك الاجواء الضيقة وفي تلك المحاصرة، كان الإمام يعارض هكذا معارضة ولكن بكل هدوء وبكل بسط وبالمقابل فإنهم بكل سياسة لا يستطيعون ان يفعلوا شيئاً… وهكذا في مجال الأحكام، كان الإمام مترصداً لمجلس المدينة ويفتي ولهذا اعترفوا، هم يقولون ان الإمام علي بن الحسين أفقه الناس. كثير من علماءهم الكبار يقولون أفقه الناس علي بن الحسين، وهذه ملاحظة قوية وهي أنه إذا كان علي بن الحسين هو أفقه الناس فلماذا تبعتم أبا حنيفة؟ أو حنيفة المولود سنة ثمانين والسجاد أكبر منه فلماذا تركتم السجاد الذي هو أفقه الناس وأصبحتم حنفيين؟.
كان يجلس في المدينة ويفتي الناس ويراقب الفتاوى، هذه نقطة في حياة أئمتنا وهي نقطة مهمة، أن الأئمة (عليهم السلام) في مقام الأحكام حافظوا على الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية بشكل محكم ولم يتركوا المواقع الهامة ولم يتركوا العواصم العلمية ولم يهربوا ولم ينزووا.
كان للإمام أن يترك المدينة ويذهب إلى مكان آخر، إلى أرض الطائف كما ذهب غيرهم من الصحابة، ولكنهم بقوا في المسجد بالرغم من ان العيون كانت تراقبهم، رغم ان الضغوط كانت عليهم شديدة، حتى ان الأصحاب عندما كانوا يأتون إلى المدينة ويريدون ان يدخلوا على الإمام كانوا مراقبين، يجعلون أحدهم على رأس الزقاق حتى يراقب، كيلا يأتي الجاسوس أو العين عليهم، وهكذا كانوا متضايقين على كل حال، ولكن مع هذا لم يتركوا المواقع الهامة وبقوا هناك. نظرية مهمة جداً عن الفقيه الأعظم المجتهد الكبير آية الله العظمى البروجردي، وهذه النظرية حساسة جداً لطلاب العلم الذين لابد ان يدققوا فيها، يقول ان المسألة التي كانت تطرح على الأئمة في رواياتنا، يسأل زرارة الإمام الصادق (عليه السلام) شيئاً عنها، هذه لم تكن خاصة بالإمام الصادق فحسب، بل كانت تطرح في المجتمع العلمي في المدينة، ثم تطرح على الإمام ويجيب عنها، فإذا اردت ان تعرف الموضوع وتحدد الموضوع والمحمول راجعوا نفس المسألة في كتب السنّة ورواياتهم المعاصرة للإمام، لماذا؟ لوجود تشابه في المسألة، يعني لما كانت المسألة تطرح لم تكن تطرح على خاصة الإمام، كانت تطرح على المدينة كلها وكانوا يتداولونها، نحن عندما كنّا في النجف كان هذا الشيء معمولاً به، عندما نجد بحثاً جديداً عند أحد الفقهاء كنا نجد أنه موجود عند بقية الفقهاء، يبحثون به ويتداولونه، وهذا هو شأن الحوزة ان يكون فيها تفاعل في الآراء حتى تتبلور القضايا، هذا كان في عصر الإمام، والأئمة كانوا يجلسون في المسجد بالذات ولم يكونوا يجلسوا في البيت، كانوا يأتون إلى مسجد النبي لماذا؟ لأن مسجد النبي مجتمع الناس، في زاوية مالك بن أنس، في زاوية بعد فلان، في زاوية بعد فلان، الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً جالس في زاوية ويراقب السائل، هناك رواية عن الإمام الحسين (عليه السلام) مهمة جدا،ً يقول دخل فلان ابن الأزرق أحد الخوارج ورأى ابن عباس جالس في جانب المسجد وسأله عن قضية التوحيد، سأله هل تعرف ربك؟ أو عرّف ربك، الإمام الحسين جالس في جانب آخر فدعاه فقال له (تعال) إليّ إليّ، كانوا يحاولون ان يبثوا معارفهم، طبعاً هذا نوعٌ من التحدي إذا كانت القضية تمس الدولة، أو إذا كانت القضية ترتبط بأساس الفكر الذي تبثه الدولة عن فضائل الأئمة سلام الله عليهم وخصوصاً فضائل الإمام علي، أمّا معاوية فقد أعلن بقرار رسمي منع ذكر فضائل أهل البيت وفضائل الإمام علي بالذات، ولكن أئمتنا سلام الله عليهم، والإمام السجاد ومن بعده كلهم كانوا يجلسون ويبثون الفضائل بأي شكل كان على المنابر، على الأرض. وفي الفصل الثالث تعرضنا لقضية الأعمال الشخصية التي كان يتمتع بها الإمام كمسألة الزهد، مسألة الدعاء، مسالة العبادة، وجدنا أن نفس هذه الأعمال هي أعمال خاصة ترتبط بنفس الإنسان، لكن الإمام كان يطبقها في مناسبات مهمة جداً ترتبط بالمجتمع ولم تكن ترتبط في القضية بنفسها، يعني يتزهد، لا أنه كان يتزهد وكان في نفس الوقت يثبت ان هذا الزهد معارض للدولة، لماذا؟ لأن الإمام عندما يكون زاهداً سيُظهِرُ البذخ الذي كان في بلاط الخليفة الأموي، الذي كان يدّعي أنه خليفة رسول الله (ص)، بل وكان يدّعي أنه إمام المسلمين، أمير المؤمنين، فالناس الذين كانوا يرون هذا الذي يدّعون الشيعة أنه أمام، في الواقع حياته بسيطة، متواضعة، كان زاهداً متقياً بينما يرون ذاك يبذخ ويرفل في الحرير والاستبرق، فعملياً كان وجود الزهد عند الإمام هو ضربة لذاك، وكذلك بالنسبة إلى العبادة، وكذلك بالنسبة إلى الدعاء، وأما الدعاء فمن اشهر الأمور التي تنسب إلى الإمام السجاد، ولكن هذه الأدعية كما تعلمون مليئة بالمعارف وبالفكر الاسلامي الصحيح الذي حاول الأمويون طيلة فترة حكمهم من بداية معاوية إلى النهاية، ان يشوهوه، ويشوهوا سمعة المسلمين، حتى معاوية نفسه كان يحمل قِرَبَ الخمر ويدخلها إلى البلاد امام الناس، وفي السوق يمشي الحمل كله خمر، يمشي في السوق! لماذا؟ إذا أردت ان تشرب الخمر ولم تخف الله ولا تريد ان ينتشر هذا الأمر اذهب واشربه خفيةً، ولكنه كان عمداً يأتي به إلى السوق، ولهذا كان عُبادة بنُ الصامت – هذا أحد الصحابة – يأخذ المدية ويبقر القرب ويقول ماهذا؟ ما هذا الإعلان بالفسق والفجور؟
كان معاوية يتاجر بالتماثيل، يأخذها من “الروحاء” ويذهب بها لمناطق أخرى، مع ان التمثال هو صنم وحرام بيعه وشراءه، يعني كانوا يريدون ان يعبدوا كل أفكار الجاهلية والكفر الجاهلي حتى عبادة الأصنام.
في هذا الموقع كان التزام الإمام بالدعاء وبالأدعية التي تؤكد على التوحيد وتؤكد على الأخلاق وتؤكد على الحلال والحرام، هذه كلها كانت ضربات قوية وعنيفة للدولة، هل من الممكن ان يعيش الإنسان في ظرف مثل ظرف معاوية الذي يقتل من يقتل بلا حساب من الصحابة ومن الكرام ومن الشخصيات، ويعمل مثل هذه الأعمال؟ نحن لا نسمي هذا عملاً سياسياً، اليوم إذا اراد أحد ان يعارض أي دولة أو أي حكومة، ينشر منشوراً صغيراً ويوقع تحته، أو حتى لو لم يوقع يسمى مناضلاً فكيف في ذاك الزمان؟
وبالنسبة إلى الفقر، كانت سياسة معاوية تفتقر إلى المؤمنين، يفقرهم يعني يحذف أسماءهم من القائمة، من قائمة العطاء والديوان، فكل من كان يوالي علياً يحذف اسمه.
فالإمام التزم أولاً بالدعوة إلى الزهد حتى يقنع الناس بما عندهم بالقليل (والإنسان يستطيع العيش بالقليل ولايموت)، ولكن في نفس الوقت كان يعطي عطاءً عجيباً غريباً، المذكور في أحواله أنه كان ذو الثفنات، كان ظهره كله مجروح وفيه ثفنته من كثرة حمل الجراب على ظهره ويوزع بشكل دقيق، طبعاً الدولة (الآن صدام الرذيل، الخبيث المجرم لعنة الله عليه، كان في العراق إذا يعرف أي إنسان يساعد عوائل الشهداء كان يحاسبه ويعاقبه ويعدمه أيضاً فكيف بمعاوية، طبعاً صدام تعلم من معاوية، أكثر أعماله من معاوية ويزيد والحجاج، فالذي يساعد عوائل الشهداء كانوا يعدموه) كذلك في ذلك الزمان، فلهذا كانت العملية سرية بحيث لا يعرف أحد من يعطيهم هذا العطاء، حتى مات علي بن الحسين فعرفوا ان العطاء من علي بن الحسين، وكذلك بالنسبة للكبار والشخصيات الكبيرة من أولاد الصحابة، وكذا كان الأمويون يستغلون هؤلاء بالعطا الكثير، وكان الإمام يسابقهم بالعطاء الأكثر حتى لا ينتمي هذا ابن الصحابي إلى الدولة، لأن ابن الصحابي له سمعة وله مقام عند الناس إذا انتمى إلى الدولة، الناس يفترون جهله(بالمناسبة أذكر في النجف الأشرف في فترة الأوقاف أو الأمن العراقي في ذاك الوقت كانت (30) دينار عراقي شيءاً كثيراً، لأن الشهرية كانت(10) أو (15)، وقد كنت قليلة، فثلاثين دينار يعطون للطالب إذا انتمى اليهم، في إيران كان أحد الطلبة من الفقراء جالس عند الإمام الخميني رضوان الله عليه ، فجاءت جماعة إلى السيد الخميني وقالوا له: سيدنا هذا الرجل جالسٌ هنا، هذا جاسوس الحكومة، هذا بالأوقاف، السيد قال: لماذا ذهب هذا الطالب إلى الاوقاف ماذا في الاوقاف؟ فحكوا له القضية من أن الاوقاف تقوم بتوزيع الأموال وهؤلاء الفقراء يذهبون وينتمون. قال السيد: نحن نعطيهم لماذا يأخذون من الدولة؟ فبدأ بزيادة الشهرية إلى ان بلغت الشهرية (50) ديناراً، أذكر ان الطلبة كان الواحد منهم يقول للثاني، هذه القضية خاصة، خذوا حذركم، لأننا نخاف أن ينقطع هذا عنّا – أي الشهرية -، وكانت هناك لطائف تحدث حول هذه القضية، ولكن كانت الشهرية كثيرة، اين(50) دينار من (15) دينار؟ والدولة لم تستطع المسابقة فالسيد الخميني رضوان الله عليه، فقد قطع طريق الدولة، والطلبة عندما يرون السيد يعطي (50) ديناراً فهل يذهبون إلى الـ(30) دينار التي تعطيها الدولة؟ ويخسرون الدنيا والآخرة؟ أنقطعوا عن الدولة ولم يذهبوا إليها، فكان السيد الخميني يعطي (50) والسيد الخوئي كان دائماً متأخراً عن السيد الخميني لدرجة أنه كان يريد ان لا يسبقه، كانت عنده سياسة خاصة فالسيد الخوئي رضوان الله عليه كان يعطي (40) دينار والسيد الخميني(50) يصبحوا (90) دينار أين (15) من(90)؟! فالطلبة استغنوا استغناءً كاملاً ولم يعد أحد يذهب للأوقاف) هذه مأخوذة من الإمام السجاد، الإمام السجاد كان يعطي لأولاد الصحابة عطاءً كثيراً حتى لا ينتموا، حتى لا يغريهم معاوية بالأموال، طبعاً إذا كان يرى المقدار الذي تعطيه الأوقاف من المال كافٍ، وعنده دين مثلاً ويخاف من الله، فلا حرج عليه، ولكن فلنفترض إذا كانت لديه حاجة، وهذه الحاجة انقطعت واصبح الإنسان أمام الواقع، فهكذا كان الإمام السجاد في كل المراحل في العمل وفي العلم وفي الأشياء الخاصة التي تختص بالإنسان الزهد والعبادة .
وأما مواقفه الخاصة من الظالمين فمواقف عجيبة، كهذا الموقف المعروف في قضية هشام بن عبد الملك الذي كان ابن الخليفة في ذاك الوقت، يأتي إلى الكعبة ويريد ان يأخذ الحجر، ولكنه لا يتمكن من أخذ الحجر ويأتي الإمام ويستلم الحجر، والفرزدق يبقى هناك ناظراً، فيقول هشام: من هذا؟ فيقول له الفرزدق: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم، فبدأ بقول هذه القصيدة المعروفة، هذا نوع من التحدي، ألم يرى الإمام هشام جالس هناك؟ جالس على السرير وحوله جلاوزته؟ ألم يرى أنه جاء إلى الحجر ولم يتمكن من أخذه؟ كل هذا يعرفه الإمام، ولكن مع هذا يأتي ويستلم الحجر حتى يثبّت وجوده، وأما مسألة الدعوة إلى إمامته فلو تقرأون الخطب والروايات التي فيها صريح الدعوة، نحن أهل البيت، نحن الأولى، فهذه مجموعة من الأعمال والأقوال والروايات عندما رأيناها أنتجت هذا الكتاب الذي أسميناه جهاد الإمام السجاد، وأثبتنا فيه ان الإمام لائق بالإمامة بقطع النظر عن النصوص، بقطع النظر عن أنه هو إمام بالنص وبالوصية، أثبتنا أنه إمام بالاستحقاق، إمام بالعمل، إمام بكل مؤهلات الإمامة، وخاصة إذا قيس هذا الإمام بمن عاصره من الخلفاء، أنتم تلاحظون ان الكتب القديمة عندما تذكر الأئمة فهي تذكر المعاصرين لهم، بعض الناس يقولون لماذا تأتي باسماء هؤلاء الآن؟ فمثلاً عندما تذكر الإمام الصادق (عليه السلام) تذكر معه معاصره أبا جعفر المنصور وفلان وفلان (ويقول أحدهم الآن لماذا تأتون بهؤلاء الزعانف هنا الآن؟ لماذا تأتون بأسماءهم الآن؟ لا، هذه الأسماء مهمة، هذه حتى تقارن بين وجود هذا الإمام العظيم وعظمته وتقواه وزهده وعلمه، بهؤلاء الذين تصدوا وسموا أنفسهم أمراء للمؤمنين وهم لا يتأهلون ان يكونوا أمراء للفاسقين، هذه جداً مهمة، أي أنّ القدماء كان عندهم نظر، (بهذه المناسبة أذكر قضية مهمة وهي قضية هذا المؤرخ المعروف صاحب كتاب مقاتل الطالبين أبو الفرج الاصفهاني، هذا الرجل زيدي المذهب، إنّ مقاتل الطالبيين تعني كل من كان من آل أبي طالب وقتل في معركة واستشهد، طبعاً الطالبيين لم يستشهدوا في معارك باطلة، بل أكثرهم استشهدوا في معارك حقة كانت في مواجهة الظالمين لأمير المؤمنين إلى عصرنا الحاضر، كما أنّ العلماء غير السادة أيضاً شهداء، ولكن السادة الذين قتلوا، فقد قتلوا كلهم في معارك ضد الباطل وقتلوا ظلماً وجوراً، فألّف هذا الكتاب وألف كتاباً آخر مهمٌّ جداً وهو كتاب الأغاني، وكتاب الأغاني طبعاً اسمه واضح وهو يجمع كل شعرٍ غنائيٍّ وكل مغنٍ في التاريخ الاسلامي، ما فائدة هذا الكتاب؟ بعضهم يتنفر من وجوده ويقول إن وجوده نحس في البيت، لكن أنا أعتقد ان هذا من أهم الكتب ولابد ان نقرأه، لماذا؟ طبعاً بقطع النظر عن الشعر الغنائي الذي فيه، والمنغنين الذين فيه، هذا لا يهمنا، هذا الرجل – المؤلف – من جهتين خدم الحق، من جهة أولى أنه عرّف هؤلاء المجرمين الذين كانوا خلفاء للمؤمنين وأمراء للمؤمنين ويدعون الخلافة عن رسول الله (ص)، فكل القضايا كانت تجري في بيوتهم، وفي دواوينهم وفي قصورهم من يزيد ومعاوية إلى آخر الخلفاء الذين عاصرهم هذا الرجل من سنة(350) ظاهراً، ففيه الفضائح التي كانت تجري في بيوتهم، فلهذا هؤلاء السلفية يستنكرون وجود هذا الكتاب ويستنكرون تأليفه يتهجمون على مؤلفه، لأن فيه هذه الفضائح التي أثبتها بأسانيده وبالروايات الموثوقة عندهم، أثبت ان هذه الأمور كانت تجري في بلاطات حكامهم وهذا لو لم يجمعه هذا الرجل، من كان سيعرفه؟ كانوا سيستنكرونه وينكرونه ويحذفونه من تاريخهم. قارن ما جاء في هذا الكتااب بما جرى على الطالبيين، يعني الذين ظلموا من جهتين، من جهة قتل الأولياء، ومن جهة إحياء الفسق والفجور في مجامع المسلمين).
على كل حال، الإمام السجاد سلام الله عليه إمام بالنص، إمام بالتواتر، إمام باجماع الشيعة، وبقطع النظر عن ذلك إمام بعمله، إمام بعلمه، إمام بنشاطه الاجتماعي، إمام بخصوصياته، من الزهد والعبادة والدعاء، وأهم شيء نتوارثه منه هو الدعاء المتوارث في الصحيفة السجادية، الذي نعتبره التالي لنهج البلاغة، الذي هو التالي للقرآن ثلاث كتب عندنا، لابد ان نفتخر بها ونعتز ونحفظها عن ظهر قلب ونقرأها قراءة دقيقة، ومع الأسف ثلاثتها مهملة في حوزتنا مع الأسف، وحتى القرآن الكريم الذي إذا قرأناه، نقرأه قراءة تلاوة فقط، بينما لابد ان نقرأه قراءة تدبر، ونهج البلاغة هذا الكتاب العظيم الذي هو عبارة عن مجموعة كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، والصحيفة السجادية التي هي كتاب دعاء الإمام السجاد (عليه السلام).
نسأل الله ان يحشرنا مع أهل البيت ويعرفنا أئمتنا ويوفقنا لتعريفهم للمجتمع الإسلامي وللعالم حتى يقتدى بهم إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.