ـ هل يعتمد مشروع الوحدة الإسلامية على أدلة شرعية من الكتاب والسنة؟ خصوصاً إذا لاحظنا ما ورد في قرار السيد الخامنئي عند تعيينه إياكم أميناً عاماً لمجمع التقريب بين المذاهب، أنه قال: توطيد أواصر الوحدة بين المجتمعات والفرق الإسلامية من أعظم أهداف نظام الجمهورية الإسلامية، وهي أهداف تقوم على قاعدة الكتاب والسنة. فما هي الأدلة من الكتاب والسنة التي توجه بهذا الاتجاه؟
ـ بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وحبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أبارك لإخوتي وأعزائي هذه المناسبة العظيمة، مناسبة ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وولادة الإمام الصادق (عليه السلام) حفيد الرسول الأعظم ومحيي رسالته، وأسبوع الوحدة الإسلامية، وأعتقد أن الانتصارات التي تمر بها الأمة ـ رغم النكسات ـ تحتاج منا لتبريك، ونستطيع من خلال ما نشعر به من أمل أن نتغلب على كل حادثة توجد فينا اليأس، وتبعث فينا شيئاً من الألم.
كما أهنئ سماحة الشيخ والإخوة جميعاً في منتدى (مرفأ الكلمة)، على هذه الخطوة الجميلة والرائدة، التي أرجو أن توفق في تحقيق أهدافها من إيجاد جو واتجاه وحدوي في هذه الجامعة العريقة، فالعيون تشبح لجامعة قم وتنتظر ما يأتيها من هذه الجامعة من نداءات وإيحاءات. أبارك لهذه المجموعة نشاطاتها وجهودها رغم قلة إمكانياتها، وأرجو أن يوفقني الله لدعم هذه الجهود المقدسة.
الوحدة في القرآن الكريم
أما بخصوص السؤال المطروح فإنني أرى أن الإيمان بقضية الوحدة من بديهيات التعاليم الإسلامية، ولا أعني بذلك البديهيات العقلية مما يتوصل إليه كل مسلم بشكل طبيعي، إنما أعني أن الوحدة مطروحة في كل أدبيات الإسلام، حتى إن الإنسان ليستطيع القول: إن الوحدة خصيصة هذه الأمة، وبدون تحقق هذه الخصيصة لا تستطيع الأمة الإسلامية أن تدعي أنها أمة، ولا نستطيع القول: إننا حققنا خصائص القرآن في الأمة إلا إذا رجعنا إلى الوحدة الإسلامية.
ولكي ندخل في الموضوع بشيء من التفصيل نقول: إن مرجعنا في فهم الإسلام هو القرآن الكريم والسنة الشريفة، ومنها سيرة وسنة أهل البيت (عليه السلام). وفي كل هذه المواضع نرى أن معالم الوحدة واضحة وشاخصة وبارزة.
فللقرآن الكريم خطة وحدوية متكاملة الأطراف، ويسلك لتعميق فكر الوحدة مختلف المسالك: فتارة يؤكد أن هذه الأمة متحدة، وهذا أمر مسلّم، بل إن مسيرة الأنبياء كلها مسيرة واحدة، والقرآن الكريم يربط بين كل هذه المسيرة، فهو يخاطب الأنبياء جميعاً بقوله: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)([1]) وفي آية أخرى يقول: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)([2]) .
فتارة يؤكد الوحدة بشكل مباشر ـ كما ذكرنا ـ وأخرى يؤكد العوامل التي تحقق الوحدة، كوحدة الشعار ووحدة الاتجاه ووحدة التكافل والتعاون، وربما يذكّر هذه الأمة أن سر انتصارها الأول في بزوغ فجر الإسلام هو الوحدة.
يقول تعالى: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم )([3]).
وتارة يبين للمسلمين أن أعداءهم متحدين، مع أن قلوبهم خُشُبٌ مُسنَّدة، لكن هذه القلوب استندت إلى بعضها واتحدت ضد المسلمين، فإن لم يتحد المسلمون في مواجهة عدوهم فالنتيجة هي الفساد والفتنة.
يقول تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )([4]) . أي إن لم تنشروا هذه الولاية المتبادلة بينكم فالنتيجة هي الفتنة والفساد الكبير.
وتارة أخرى يبين محور الوحدة: (واعتصموا بحبل الله جميعاً)([5]) فحبل الله هو محور وحدة الأمة.
وقد اختلفت التفاسير في قوله تعالى: بحبل الله، فمنهم من يقول: هو القرآن، وبعضهم يقول: هو السنة، والروايات الواردة عن أهل البيت (عليه السلام) تؤكد أنهم هم حبل الله. لكن الجامع لكل هذه الروايات والآراء هو أن محور الوحدة يجب أن يكون أمراً لا يَختلف ولا يُختلف فيه، بأن يكون طريقاً معصوماً إلى الله كي يكون حبلاً متماسكاً يقود إلى الله بشكل كامل. وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نرجع إلى حديث الثقلين الذي يصف القرآن والعترة بأنهما حبل ممدود من الله إلى الأرض: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي). فحبل الله هو الطريق المعصوم إلى الله تعالى، والقرآن والسنة وأهل البيت طرق معصومة إلى الله تعالى.
والقرآن الكريم يركز على المحور الثابت للوحدة، وأنا أعتقد أننا قليلاً ما عملنا في هذا المجال، وأن هناك نظرية متكاملة لعملية إيجاد الوحدة في هذه الأمة في القرآن الكريم، تحقق منطلقات الوحدة ومسيرها وهدفها والعناصر والسياسات اللازم اتباعها لتحقيق هذا المعنى.
الوحدة في السنة النبوية
أما السنة النبوية فهي واضحة في تحقيق الوحدة، وخطوات النبي (صلى الله عليه وآله) واضحة كذلك في هذا المجال، كالحث على التآخي وإيجاد المسجد كمنطلق، وغير ذلك. كما أن سيرة أهل البيت (عليه السلام) واضحة في هذا الصدد، والمعروف من نهجهم (عليه السلام) أنهم كانوا يعملون من خلال خطين:
الأول: ينظر للأمة ككل، وإلى صيانتها من الضربات الموجهة إليها، فالإمام العسكري (عليه السلام) يقف في سامراء يراقب فيلسوفاً في الكوفة وهو الكندي، الذي يبث بعض الشبهات، فيحضر بعض تلامذته لينطلقوا من سامراء إلى الكوفة ويناقشوا هذا الفيلسوف ويبطلوا توجهاته الفكرية. وهذه مراقبة لمجموع الأمة.
والإمام الصادق (عليه السلام) راقب مسائل الغلو والتجسيم وغيرهما من المسائل التي تهم الأمة كلها. وهذا خط واضح في حياة أهل البيت (عليه السلام) وهو من البحوث التي تحتاج إلى كثير من الوقت لإبرازها بالشكل المطلوب.
الثاني: تربية الفئة الطليعية التي تشكل محور حمل هذه الأفكار، وهم الذين تطلق عليهم الروايات اسم الشيعة، فالشيعة هم تلك المجموعة التي رباها أهل البيت (عليه السلام) ليحملوا فكرهم، بعد أن آمنوا أن هذا الفكر له طريقه المعصوم إلى الله تعالى.
إذن هناك خطة في التربية الشيعية، وخطة في مراقبة الأمة، ومعنى ذلك أنهم كانوا ينظرون للأمة كلها بنظرة واحدة.
وهناك طريق آخر للوحدة يمكن أن نطرحه، وهو أن يلاحظ المسلم الشريعة الإسلامية، فلا نجد في الشريعة الإسلامية تركيزاً على قطاع معين من الأمة، أو على رقعة جغرافية منها أو لون أو لغة أو ثقافة أو خصوصية معينة، إنما تنظر الشريعة إلى مجموع الأمة، والقرآن الكريم يخاطب الأمة كلها بيا أيها الذين آمنوا، وكذا الحال في الأحكام.
لا حظوا مثلاً قول الفقهاء الذي يكاد يكون إجماعياً، وهو أن الأرض التي تفتح عَنوة هي لكل المسلمين، فالمسلمون الحاضرون([6]) يشتركون جميعاً في ملكية هذه الأرض، وهي ملك شخصي مباشر لكل مسلم، ويجب أن يُصرف ريع هذه الأراضي لمصلحة الأمة كلها، ومن حق أي من مسلم في أقطار الأرض أن يكون له نصيب من هذه الأرض.
وهناك حكم آخر من الأحكام الإسلامية وهو التكافل وتحمل المسؤولية. يقول الإمام الصادق في حديث له: من شكا إليه أخوه المسلم حاجته وكان قادراً على إشباعها منه أو من غيره، ولم يفعل ذلك حشره الله يوم القيامة مزرقة عيناه (أي من الخوف) مغلولة يداه إلى عنقه، ويقال هذا الخائن لله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار([7]).
([6]) أي غير المتوفين ولا الآتين مستقبلاً.
([7]) لفظ الرواية كما ورد في الكافي2 : 367، باب من منع مؤمناً شيئاً من عنده أو من عند غيره: عن فرات بن أحنف، عن أبي عبد الله (ع) قال: أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسوَدّاً وجهُهُ مُزْرَقَّةً عيناهُ مَغلُولَةً يداهُ إلى عنُقه فيُقال: هذا الخائِنُ الذي خان الله ورسولَه، ثم يؤمَرُ به إلى النار.