كلمة الدكتور خالد القدومي
عندما نقول نحن فی مرحلة تاریخیة وحساسة وانعطافة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، هذا الأمر له عوامل كثيرة، ولعل عوامل الوحدة، وعوامل الإبداع التقني والجهادي، الذي وصلت إليه المقاومة، هو من نافلة القول هنا، الحقيقة أنّ ما وصلت إليه المقاومة اليوم من إنجازات ميدانية على مستوى قتل الجنود، وعلى مستوى العقيدة القتالية للجنود المقاتلين الفلسطينيين، وكأنك أمام جيش حقيقي نظامي، وهم لازالوا في طور التأسيس، لمعركة التحرير، ما وصلوا إليه اليوم من إنجاز عسكري، قتل أكثر من ألفي جندي ومستوطن صهيوني، وأسر أكثر من مئتي جندي من جنود الإحتلال، هذا بالإضافة إلى الجرحى الإسرائيليين، والخسائر في البنية التحتية في المجتمع الصهيوني، والقدرة على إنجاز حرب مركبة، في البر والبحر والجو، كما ذكر بأنه قد شارك في هذه الحرب حوالي خمسة آلاف جندي من المقاومة، كان ثلاثة آلاف وخمسمئة جندي، مهمتهم الأساسية التعامل مع الخط الأوّل للجيش الصهيوني، بثكناتهم وتنوعاتهم البحرية والبرية والجوية، فكسروا وهزموا الخط الأوّل، وألف جندي كذلك كان فقط مهمته التعامل مع الخط اللوجستي للعدو، بحيث يتم قطع الجيش، وبالأمس كنت أقرأ في صحيفة “يدعوت أحرنوت” أن هناك رسائل للجنود الصهاينة من الميدان لقيادتهم أنه عندهم نقص في السلاح ونقص في الغذاء في ميدان المعركة، الله أكبر! يستطيع هؤلاء الجنود المجاهدين عمل كل هذا، وقد كانت هذه صدمة قوية للجيش الإسرائيلي بسبب هذه الخسائر التي تكبدها، وقبل أن يلتفت نتينياهو لما حصل له، كان بايدن ملتفت لما حصل للكيان الصهيوني، لذلك كان أوّل من شارك في هذه الحرب، كان بايدن قبل نتينياهو، لأنهم هم بناة هذا المشروع وحماته، منذ عام 1948 م، كانوا الإنجليز ثم تولّاهم هؤلاء الأمريكان.
في الحقيقة يا إخواننا هذه غزة فعلاً عجيبة من الناحية العسكرية، أرضها فقيرة مثل كفّة يدك، لا جبل فيها ولا غابة، ومع عدم المؤاخذة فهي لا يوجد فيها حتى تراب بحر، أي لا تستطيع أن تقوم بعمل ملاجئ ولا أن تحفر إلى الأسفل، كل هذا بسبب التقوى وتوفيق الله سبحانه وتعالى، والصبر والإيمان بالقضية، {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا… يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}، أمّا بالنسبة للصّهاينة، فقد دفعوا مليار دولار على السلك الإلكتروني الواصل بين غزة والمستوطنات الصهيونية، ولكن بعد توفيق الله ومدد منه، قد تم التعامل مع هذا السلك وهذه التكنولوجيا، من قبل خمسمئة شاب كانوا يجلسون في غرفة أمام الحاسوب، لم يكن معهم سلاح ولا أيُّ شيءٍ من هذا القبيل، كان عملهم هو فقط إنجاز شاشة إلكترونية للتعمية على رادارات العدو، وأبراج المراقبة، مما ساعدهم على إدخال سيارات المقاومة، وتبديل فوج جيش مع جيش آخر في اليوم التالي، وإدخال المسيرات المزودة بأجهزة تشويش للرادارات، أين أمريكا وبريطانيا الآن؟ بل أين العدو الصهيوني الذي صدّعوا رؤوسنا المطبعين بهم، متلهفين للتكنولوجيا التي يملكونها، ساعين للحصول ولو على بعض منها، وعلى التكنولوجيا الزراعية أيضاً، إن حكومات الدول الأفريقة الآن، تتعاون مع إسرائيل، لكي تعطيهم تكنولوجيا زراعية وما شابه، وأي تكنولوجيا هي هذه؟ إن كنتم تريدون التكنولوجيا، فهي لدينا موجودة، وهي بإمكانها أن تعطيكم تكنولوجيا قد هزمت تلك التي عند إسرائيل، هذا لأنهم أوهن من بيت العنكبوت، لقد حمل إخوانكم شعار الآية القرآنية القائلة: {…ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} هذا هو التوكّل، أخذ بالأسباب ودخول الخط الأول للدفاع.
في إحدى السنين، دخل الجيش الفلسطيني، إلى مناطق تبلغ مساحتها أربعين كيلومتر مربع، وكانت نطاقات المستوطنات الصهيونية حول غزة موجودة على محاور عشرة كيلومتر، ومحور عشرين كيلومتر، ومحور أربعين كيلومتر، قريبة من الضفة الغربية، ومن الشمال، كان عندنا ثمانٍ وعشرين مستوطنة، بعمق ستّة كيلومتر من الحدود اللبنانية، أمّا اليوم فالكيان الصهيوني جغرافياً تقلص، إخوانكم في الشمال قتلوا ثلاثة عشر جندي إسرائيلي يصرفون عليه ملايين الدولارات، وهذا في الظروف العادية؛ أي لو لم ينشغل الجيش الإسرائيلي في غزة، لقامت الحرب، حرب يتدخل فيها الجماعات الإسلامية ومجاهدين من الشمال، وبالنسبة لإخوانكم في الشمال، فقد ضربوا كل الجهاز الإلكتروني على الحدود، ماذا يعني ذلك؟ فلينتبه من يقول أين هم هؤلاء المجاهدين، جغرافيا العدو الصهيوني في الشمال تتقلص على بعد طول، أو على عرض مئة كيلومتر، بعمق ستة كيلومتر، مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين في الشمال، على حكومة الإحتلال أن تجد لهم ملجأً، إلى أين يذهب هؤلاء؟ هذا في الشمال، أمّا المستوطنات في الجنوب من غزة فإخوانكم هناك، قد جعلوها مقبرة، خاوية على عروشها، وكل يوم نسمع من الجيش الإسرائيلي أنهم يخرجون عشرات من جثث الجنود من المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلّة.
إنَّ هذه لهي فعلاً بشارات، إن استمر الوضع على هذه الحال، فسيضعف العدو ويخسر معركته معنا، وفي نهاية المطاف ينسحب ويستسلم مطأطأاً رأسه حسرة وندامة على كل ما فعله وخطط له، ليكون ذلك درساً لكل الناس، أنَّ الظلمَ والاستكبار زائل، والعدل الإلهي باقٍ.
والحمد لله رب العالمين.