فضيلة الشيخ أحمد حسون لـ « المرفأ »: ابحثوا عن الطرف الثالث الذي يريد إشعال الفتنة في الأمة
المرفأ – العدد التاسع 24 محرم 1428
تسنى للمرفأ أن تلتقي فضيلة الشيخ أحمد حسون «المفتي العام للجمهورية العربية السورية» على هامش مؤتمر «الإسلام وحقوق الإنسان» الذي عقد في مدينة قم، وقد اغتنمنا هذه الفرصة الكريمة التي منحنا إياها سماحة الشيخ من ثنايا وقته المزدحم.. لنتحدث معه عن قضايا الوحدة وشؤون التقريب بين أبناء الأمة الإسلامية التي تمر في مرحلة شديدة الحساسية والخطورة، يعمل فيها الأعداء على نفث سموم الفرقة وزرع بذور الفتنة.. يشعر من يتحدث مع فضيلته بأن بين جنبيه روح كيبرة، تحمل هم الأمة كل الأمة، وتعيش الأمل في أن تعود لها أيام العزة والكرامة ووحدة الصف والكلمة، كيف لا وهو من عرف بسعيه الحثيث وعمله الدؤوب في هذا الطريق ولا يزال.. التقيناه وكان معه الحوار التالي:
س: الكثير يعتقد أن الوحدة الإسلامية هي مفهوم مطروح بين العلماء فقط، وفي المجالس الخاصة والغرف المغلقة، ولم يتجسد ذلك في الواقع وبين عامة الناس، فهل توافقون على هذا ؟ وكيف يمكن أن تعالج هذه المشكلة؟
المؤسف أنه وحتى هذه اللحظة لم توجد فرصة حقيقية لعالمنا الإسلامي لكي يحكم بالوحدة الإسلامية، وكل ما هو قائم الآن ـ باستثناء الجمهورية الإسلامية ـ محكوم بالقوانين الوضعية، لا بالمنهج الإسلامي، فعندما يقال: إن الوحدة الإسلامية لا تطبق، لا بد أولاً أن نقول: أين وضعت الوحدة ولم تفلح ؟ وأين وجدت ولم تُنتج ؟
إن الوحدة الإسلامية متحققة بين الشعوب، لكنها مفقودة بين الحكام الذين يلتزمون مصالحهم وحاجاتهم الخاصة، وكذلك عند بعض الشيوخ الذين يلتزمون المذهبية في كثير من الأحيان على حساب الإسلام، فلا يمكن أن نحمِّل الأمة مسؤولية عدم الوصول إلى الوحدة، فالواجب أولاً أن تعطى الأمة حريتها، بحيث يمشي المسلم من طنجة إلى جاكارتا وهو لا يحمل جواز سفر، عندئذٍ يمكن لها أن تقول كلمتها. والدليل على ذلك موسم الحج الذي لا ترى فيه إلا بسمة وسلاماً بين المسلمين.
فالوحدة الإسلامية ممكنة إذا رفعت الأيدي عن الحدود المصطنعة ورفعت العوائق من أمامها.
س: إذا أردنا أن نتحدث بشكل أكثر واقعية، فإننا نرى أن هناك فتنة طائفية تتحرك الآن بشكل واضح في العراق، أو على الأقل هناك محاولة لزرع فتنة يراد لها أن تمتد إلى المحيط العربي والإسلامي.. كيف يمكن أن نتعاطى مع هذا الواقع بشكل عملي ؟ وما هو تقييمكم لما يحدث ؟
يجب أولاً أن نبحث عن الطرف الثالث الفاعل في القضية، لا أن ننحي باللائمة على الشيعة أو على السنة، فهذا لون من الغباء. والسبب في ذلك أن التعايش بين الشيعة والسنة كان منذ أكثر من ألف عام، فهذه سامراء (المسلمة السنية) تضم قُبب العسكريين التي يزورها المسلمون جميعاً، فيما تضم النجف وكربلاء (المسلمتان الشيعيتان) مراقد علي والحسين (ع)، ولم نسمع يوماً أن أحداً من هؤلاء هدم قبةً أو اعتدى على ضريح أو أحرق مسجداً.
فما يحدث في العراق حدث بعد دخول القوات الأمريكية، ويجب أن يجمعنا ذلك ويوحدنا، لا أن يخيفنا ويفرّقنا، لأن هناك تدخلاً لطرف ثالث، عمل أول ما عمل عند دخوله إلى العراق على سرقة المكتبات والمتاحف وتدميرها، ثم عمل على تشويش الأفكار.
بل إن ما حدث في أوربا في الرسوم الكاريكاتورية وما جاء في كلام البابا لا بد أن نبحث فيه عن الطرف الثالث الذي يحاول أن يبث الفرقة بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين المسيحيين، ليشعل النار في العالم باسم الحرب الدينية التي يقودها المسلمون أو المسيحيون، والتي تحرق الأخضر واليابس، لتبقى هناك مؤسسات صهيونية مالية تستثمر الدماء والأرواح.
إن هنالك إعلاماً عالمياً مسيَّساً لجهة معينة، يستثمر عقولنا دون أن نشعر، وهناك ثلاثة آلاف عنصر من الموساد في العراق اخترقوا هذا البلد الطاهر الطيب الذي عاش أجمل أيامه في الثراء الروحي والفكري، فكنا نرى المذاهب الفقهية في العراق تسمو وتسمو، وكل مدينة في العراق كانت تمثل جامعة، كالنجف وكربلاء والكوفة والبصرة والموصل وبغداد والكاظمية، كل هذه المدن كانت جامعات فكرية وفقهية للّقاح الإسلامي الفقهي. وكم تخرج منها من العلماء العالميين غير المذهبيين..
كنا نرى أن العائلة الواحدة في العراق فيها من الشيعة ومن السنة، كما في آل البدري وغيرهم. وفي بعض العوائل ترى أن الزوج شيعي والزوجة حنفية أو شافعية أو غير ذلك. وما يحصل الآن إنما حصل بيد الذين جاؤوا مع الاحتلال والذين دُرّبوا وأعدوا ليكون انتماؤهم للغرب وإن كانوا في الظاهر من أبناء الإسلام.
كما تحركت معهم موجات ممن يكفّر عامة المسلمين، ويرون أنفسهم أنهم هم المسلمون دون غيرهم، فكفروا الصوفية من جميع المذاهب، بل كفّروا الأمة كلها، وتحركوا بحجة مقاومة الأمريكان والمحتلين، فوقعنا بين الأمريكي الصهيوني المتطرف، والمسلم الذي لا يفقه إسلامه، ويكفر المسلمين جميعاً.
لذلك أقول: ابحثوا عن الطرف الثالث الذي يريد إشعال الفتنة وإحراق الجميع في العراق ولبنان وغيرهما. فنحن أمة تعددت مذاهبنا ولم تتعدد عقيدتنا، فالإسلام عقيدتنا والقرآن كتابنا والكعبة قبلتنا والحج فريضتنا والصيام شهرنا والصلاة عمود ديننا. أما اختلافاتنا الفكرية والفقهية فهي لتوسعة الساحة الإنسانية والفكرية وليست للصدام العَقَدي، لأننا لا نختلف على مستوى العقيدة، ولا نعرف اختلافاً في العقيدة بين المذاهب الإسلامية التي نعرفها والتي نشأت في القرون الثلاثة الأولى، باستثناء بعض الفئات التكفيرية التي نشأت في عصر متأخر، والتي ترى أنها هي وحدها على الإسلام وما سواها كافر، ويعلنون تبرّؤهم من المذاهب الفقهية، وأنهم يرجعون إلى السلف، في حين أن أصحاب المذاهب الفقهية لم يأخذوا فقههم إلا عن السلف وعن أهل البيت، وهؤلاء التكفيريون هم الذين قطعوا حبال الوصل بينهم وبين السلف والخلف. وعلينا أن نتّحد لنعيد هؤلاء الأبناء الضالين إلى ساحة الإسلام.
س:مارأيكم بماحاول البعض ترويجه.. حول ما سمي بالهلال الشيعي؟
لننظر أولاً إلى مصدر هذا الكلام، ومن الذي روج له ؟ ثم نسألهم : ما هو هلالكم وما هو هلالنا ؟ فإن كان هلالكم لمذهب معين فأعلمونا.
إن الذين تكلموا عن هذا الهلال الشيعي لا ينتمون إلى مذهب ولا إلى ساحة فقهية ولا فكرية، إنما حرَّكتهم سياسات بعينها، وهذا أشبه بما سُمِّينا به من قبل وأصبحنا شيعة وسنة، والحال أن الجميع مسلمون يتبعون سنة النبي ويشايعون علياً ويوالون أهل البيت، فكل سني شيعيٌّ بالاقتداء والولاء، وكل شيعي سني بالاهتداء والاقتداء، فمن يقول بهلال شيعي أو سني أو سلفي أو وهابي أو صوفي إنما يبث الفكر التمزيقي، ونحن لا بد أن نرجع إلى قوله تعالى:
﴿وأنَّ هذه أمتُّكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون﴾. نحن أمة شمسها القرآن وقمرها محمد (ص) ونجومها أهل البيت والأصحاب، وعيونها أصحاب المدارس الفقهية والفكرية. وكل من تحدث عن هلال شيعي أو سني من الرؤساء أو الفقهاء نقول له : اغزل غير هذا الغزل، فنحن على قول الله تبارك وتعالى:
﴿ وأنَّ هذه أمتُّكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون ﴾.
نقول لهؤلاء: لن تستطيعوا أن تفرقونا فكرياً أو فقهياً ولا حتى قومياً..
أضحى الإسلام لنا ديناً وجميع الكون لنا وطنا
تـوحيـد اللَّـــه لـنا نورٌ أعـددنا الروح لــه ثمنــا
س: وأنتم الآن في إيران ما رأيكم بالتجربة العلمائية هنا.. وخاصة على الصعيد التقريبي؟
قبل أن أجيب عن هذا السؤال أود أن أشير أولاً إلى أنني أتمنى أن لا أجد مسلماً في العالم إلا وهو يتكلم باللغة العربية، لأنها لغة القرآن. ويحزنني أن أرى الصهاينة الذين أتوا من كل بقاع الدنيا، وليس بينهم يهودي واحد لا يجيد العبرية، لأنها عندهم لغة مقدسة، ولا يعتبر يهودياً من لا يجيد العبرية. فأنا أرى أن نحافظ على التركية والفارسية وغيرهما من اللغات، ولكن لتكن العربية لغة الأمة الواحدة، لكي نستطيع أن نتواصل بلا مترجم، والجمهورية الإسلامية عندما قررت اللغة العربية في مناهجها الدراسية أرادت أن ترسل للعالم العربي والإسلامي رسالة مفادها: أننا انطلقنا في مسيرة التواصل العربي الإسلامي.. هذا أولاً.
ثانياً: إن الغرب توقع من علماء إيران أن يعيدوا إيران إلى الوراء قروناً عديدة، ولكننا عندما نرى أن الجمهورية الإسلامية اليوم تصنع وتنتج في شتى المجالات، وترسل البعثات الدراسية للعالم، لا يبقى عندنا مجال للشك أن العلماء أثبتوا أنهم أصحاب فكر متقدم متطور.
والجمهورية الإسلامية اليوم يراد لها من قبل أعداء الإسلام أن تفشل، لأنها إن فشلت أقيمت الحجة على كل المسلمين أنهم غير قادرين على القيادة، وإن نجحت فجرت الصحوة في العالم الإسلامي، وأثبتت أن العلماء في جميع أنحاء العالم الإسلامي قادرون على القيادة واستيعاب متطلبات العصر. فعلماء إيران أثبتوا للعالم أن العالِم المسلم يقود المجتمع نحو الأمام لا إلى الخلف.
عندما كان الحكم في إيران بيد الشاه، لم تكن هذه الدولة قومية ولا دينية، إنما كان الشاه يريد أن يربطها كلياً بالغرب، وأن يغير منهج وفكر الناس. فلما جاء العلماء، توقع الكثيرون أن تعود إيران إلى الوراء، لكننا وجدنا أن قفزة كبيرة حدثت في إيران، رغم ما عانته من الحرب العراقية الإيرانية ومشاكل أخرى، فوصلوا إلى التكنلوجيا النووية، وألغوا الأمية بشكل كامل في الكثير من المناطق، وتحول الفكر الإسلامي إلى منهج حياة.
وفي مجال الديمقراطية يُظهر فوز أحمدي نجاد مع ترشيح الشيخ رفسنجاني في الانتخابات أن الديمقراطية هنا من أرقى الديمقراطيات، فقد كان المتوقع بشكل كبير أن يفوز الشيخ رفسنجاني، لكن فوز أحمدي نجاد خالف كل التوقعات.
هذا هو المنهج والنموذج الإسلامي الحقيقي في الحكم والسلطة التي رأيناها هنا في إيران. فالجمهورية الإسلامية اليوم لا تمثل نفسها ولا تمثل مذهباً، إنما تمثل العالم الإسلامي بأجمعه.
وأخيراً فأنا أتمنى أن أرى قريباً في قم ـ كما كنت أتمنى ذلك في الأزهر ـ أن تُدَرَّس جميع المذاهب على السواء، نعم، هناك بعض المدارس في قم تدرس اليوم الفقه المقارن، ولكننا نطمح إلى ما هو أبعد من ذلك.