الإمام الخميني وإقامة الدين بأنظمته الاجتماعية – آية الله الشيخ محمد حسين ملك زاده
إن المشروع الكبير الذي قام به الإمام الخميني (ره) كان إحياء الدين بجميع شؤونه وأبعاده الاجتماعية والسياسية بحياة الإنسان،
فكان رضوان الله عليه مصداق للآية الكريمة: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)،
فلم يكن مشروعه مقتصر على الجانب الفردي فقط، بل كان أهم اهتمامه البعد الاجتماعي للدين وديننة المجتمع والدولة.
ولا يمكن ديننة المجتمع إلا بالاستعانة بالأنظمة الفعالة في المجتمع، كأنظمة الدولة من مؤسسات أهلية وحكومية وأمنية وعسكرية،
ولتوضيح هذا الأمر لا بد من التحدث عن النظام والأنظمة الرئيسية في كل مجتمع وبلد حتى يتضح لنا رأي الإمام الخميني عن كيفية تأسيس هذه الأنظمة على أساس الإسلام وإقامة الدين.
خصائص وأركان نظام الحكم
فالنظام لغة هو الترتيب والتنسيق ووضع كل شيء في مكانة المناسب، أما في الاصطلاح فقد يقال عنه النظام أو المنظومة،
وهو مجموعة عناصر تشكل بمجموعها كياناً واحداً يرتبط بعضها ببعض، حيث يرتبط كل عنصر بالآخر وبالتالي أي عنصر ليس له أي ارتباط بأحد عناصر النظام لا يمكن اعتباره جزء من هذا النظام.
والنظام هو مجموعة من الأجزاء المرتبظ في ما بينها وتسعى للقيام بعدة واجبات،
ويعرف أيضا بأنه الوظائف المرتبطة والمتكاملة والتي تتفاعل معاً من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف المعينة خلال فترة زمنية محددة مسبقاً،
وحتى يتم تطبيق النظام بشكل صحيح لا بد أن يتواجد في بيئة تتميز بالتعاون والعمل بين كافة الأفراد والمؤسسات.
النظام عبارة عن الإطار المعنوي والمادي والهيكل التنظيمي لمجموعة من الأجزاء والعناصر المرتبطة والمنسجمة والمتسقة بينها تعاون وتآزر لتحقيق هدف معين.
تشترك الأنظمة بخصائص ثلاث هي:
- أن النظام له بنية تعرف بأجزائه وتركيبه
- له سلوك والذي يتضمن إجراء العمليات وإخراج المواد أو الطاقة أو المعلومات.
- النظام له ترابطية داخلية، فأجزاء النظام المختلفة ترتبط نظامياً ووظيفياً فيما بينها.
ومكونات وأركان النظام هي:
- الأجزاء والعناصر وهي: مجموعة من الأفراد والأدوات والوسائل التي تحرص على تحقيق أهداف النظام.
- الترابط والتعامل والتعاون
- النظم وتنظيم
- الهدفية ووجود هدف مشترك
وجوهرة النظام هي: عبارة عن العلاقات المنتظمة والتابعة لقاعدة خاصة بين الأجزاء والعناصر.
ضرورة الحكومة الإسلامية في فكر الإمام الخميني “قدس سره”
الأنظمة الرئيسية في حياة البشر عبارة عن:
- النظام الاجتماعي.
- النظام الاقتصادي
- النظام السياسي
إمكانية تطبيق الشريعة عند الإمام الخميني
هل تستطيع الشريعة بما تمتلك من أسس وأصول عامة وقابليات هائلة تأسيس نظام سياسي واجتماعي وقتصادي أم لا؟
وهل تقع مسؤولية الحكم والإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الشريعة؟
أم أنها تفتقر لمثل هذه القدرة لأنها بالأساس لم توضع الشريعة لتأسيس نظام معين؟
الإمام الخميني أجاب على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى في بحثه حول ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية فقال:
الإسلام قام لتأسيس حكومة عادلة فيها قوانين مربوطة بالماليات وبيت المال،
وأخذها من جميع الطبقات على نهج عدل، وقوانين مربوطة بالجزائيات قصاصا وحدا ودية بوجه لو عمل بها لقلت الجنايات لو لم تنقطع، وانقطع بذلك المفاسد المترتبة عليها،
كالتي تترتب على استعمال المسكرات من الجنايات والفواحش إلى ما شاء الله تعالى، وما تترتب على الفواحش ما ظهر منها وما بطن،
وقال قدس سره: وقوانين مربوطة بالقضاء والحقوق على نهج عدل وسهل من غير اتلاف الوقت والمال كما هو المشاهد في المحاكم الفعلية وقوانين مربوطة بالجهاد والدفاع والمعاهدات بين دولة الاسلام وغيرها.
هل يدخل الدين في جميع مفاصل الحياة؟
ثم قال الإمام رضوان الله عليه: إن الاحكام الالهية سواء الاحكام المربوطة بالماليات أو السياسيات أو الحقوق لم تنسخ،
بل تبقى إلى يوم القيامة، ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة حكومة، وولاية تضمن حفظ سيادة القانون الإلهي وتتكفل بأجزائه،
ولا يمكن إجراء أحكام الله إلا بها، لئلا يلزم الهرج والمرج، مع أن حفظ النظام من الواجبات الأكيدة، واختلال أمور المسلمين من الأمور المبغوضة،
ولا يقوم ذلك ولا يسد عن هذا إلا بحاكم وحكومة.
وقال رضوان الله عليه: مضافا إلى أن حفظ ثغور المسلمين عن التهاجم وبلادهم عن غلبة المعتدين واجب عقلاً وشرعاً،
ولا يمكن ذلك إلا بتشكيل الحكومة، وكل ذلك من أوضح ما يحتاج إليه المسلمون، ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع،
فما هو دليل الإمامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف سيما مع هذه السنين المتمادية،
ولعلها تطول والعياذ بالله إلى آلاف من السنين، والعلم عنده تعالى.
فهل يعقل من حكمة الباري الحكيم إهمال الملة الإسلامية وعدم تعيين تكليف لهم؟
أو رضي الحكيم بالهرج والمرج واختلال النظام؟ ولا يأت بشرع قاطع للعذر لئلا تكون للناس عليه حجة.
وما ذكرناه وإن كان من واضحات العقل،
فان لزوم الحكومة لبسط العدالة والتعليم والتربية وحفظ النظم ورفع الظلم وسد الثغور والمنع عن تجاوز الأجانب من أوضح أحكام العقول من غير فرق بين عصر وعصر أو مصر ومصر،
ومع ذلك فقد دل عليه الدليل الشرعي أيضاً.
هل تصلح الشريعة الإسلامية لإقامة نظام حكم؟
لقد كان الإمام الخميني صاحب رؤية حكومية ملتزمة بالدين، وكانت رؤيته رؤية اجتماعية حكومية،
فكان يرى أن الدين هو من يطرح نظرية السلطة والمقاومة والثورة، والدين يحاول ويسعى إلى تأسيس نظام سياسي وأنظمة اجتماعية بحيث يتكفل الدين والشريعة بمهمة تحقيق الأهداف الأخروية وتشكيل أمة قوية ذات مصالح دنوية.
وهذه الأمة تكون أمة متحدة تجمعها إرادة قلبية قوية،
ويتكفل الدين أيضا بعلاقة الفرد المؤمن بربه وعلاقة المجتمع بمصالحه الدنوية على المستوى الاجتماعي والسياسي.
فالحكومة في رؤية الإمام الخميني لم تأتي نتيجة اجتهادات شخصية، بل نتيجة تعاليم الدين الواضحة والمبادئ المسلم بها.
رد الإمام الخميني على شبهات العلمانيين
فالعلمانييون يعتقدون أن الدين قد أخذ تجربته في الحكم وقد فشل في إدارتها،
ويعتقدون أن الدين ليس لديه القدرة على تأسيس نظام حكم مرة أخرى، ويقولون أن الدين في مرحلة تاريخية معينة قد أدى امتحانه في هذا المضمار ولم يوفق فيه،
وقد أثبت التاريخ خطأ أفعال ونظريات الدين في إدراة المجتمع والسياسة.
وهناك حسب أقوال الإمام الخميني: قسم من المتدينين يشاطر العلمانيين في تحييد الدين عن السياسة،
ويقول أولئك المتدييين أن الدين مجاله فقط في العبادة ومكانة في المساجد ودور العبادة،
أما التدخل ي أمور العامة أمر لا دخل لنا فيه بحسب قولهم – وقد أدت رؤية أولئك المتديين الرجعية إلى توجيه ضربات موجعة لمكانة الدين أقسى من تلك الضربات التي وجهها الغربيين والمثقفين التابعين لهم.
ثمرات ولاية الفقيه
في كتاب صحيفة النور يعتبر الإمام الخميني أن إقامة دولة الحق لأجل إحياء الشريعة أمر قطعي وضروري،
فيقول قدس سره: إن هدفنا من إقامة الحكومة الإسلامية هو نشر الدين الإسلامي واستمراره والمحافظة عليه.
فالإمام الخميني تمكن أن يحيي الشريعة من خلال طرحه لنظرية الحكومة الإسلامية،
وبعث حياة جديدة للحركات الإسلامية وأعاد للمسلمين عزتهم المفقودة.
إن الوسلية التي كانت بيد الإمام الخميني لتاسيس الأنظمة الاجتماعية نظرياً على ضوء المعارف الإلهية والتعاليم الدينية والنظرة الإسلامية هي الفقاهة والاجتهاد،
والاجتهاد الفقهي وحده لا يكفي بل كان لديه اجتهاد في الأمور الاجتماعية والسياسية وفهم عميق ودقيق بالنسبة لمسائل الزمان ومقتضياته.
واجبات الفقيه عند الإمام الخميني
فقد قال الإمام الخميني: يجب على المجتهد أن يكون عالماً بمسائل زمانه،
فمن الصعب على عامة الناس وعلى الشباب أن يتقبلوا كلام مرجعهم ومجتهدهم عندما يقول: إني لا أبدي رأياً بالمسائل السياسية.
ثم قال قدس سره: فمن خصائص المجتهد أن يكون عارفاً بوسائل التصدي للمؤامرات والتزييف اثقافي السائد في العالم، وعارفاً بالسياسة والسياسيين والمعاملات التي يتعاملون،
بها ومدرك لمكانة وقدرة قطبي العالم الرأسمالية والاشتراكية،
وعارفاً بنقاط قوتهم وضعفهم، لأنهم في الواقع هم من يضعون استراتيجة في التحكم في العالم.
ثم قال قدس سره: من الخصائص الأخرى للمجتهد الجامع للشرائط: يجب أن يتحلى بالفطنة والفراسة لقيادة المجتمع الإسلامي العظيم بل وغير الإسلامي،
وإضافة إلى خصائص لصفات والتقوى والزهد اللازمة لشأن المجتمد، يجب أن يكون مديراً ومدبراً بحق،
فالحكومة بنظر المجتهد الحقيقي تمثل الفلسفة العملية لجميع أحكام الفقه في جميع مجالات الحياة البشرية وتمثل الصبغة العملية للفقه عند تعامله مع جميع المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية.
والفقه يمثل النظرة الواقعية الكاملة إدارة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد.
ونقول: أن مجتهد وفقيه كالإمام الخميني قدس سره مع هذا الاتجاه الاجتماعي والحكومي مع الفهم الصحيح للنصوص الدينية،
يؤدي بشكل مباشر إلى استكشاف معالم الحركة الاجتماعية والسياسية وحتى القيام بالثورة من النصوص الدينية بل من كلمة “لا إله إلا الله”.
والخلاصة أن الإمام الخميني يرى بوجوب محاربة الطواغيت والأنظمة بكافة الوسائل ومن جميع أشكالهم وأصنافهم من فقرة “لا إله” فلا معبود في الكون من الطواغيت وغيرهم، ويرى وجوب السعي لإعلاء كلمة الله وإقامة الدين وإثبات الأنظمة الدينية من فقرة “إلا الله”.
أنظر أيضاً:
الامام الخميني وهموم الاصلاح في الحوزة العلمية
مرجعية الدين في الشؤون السياسية
ما الفرق بين ولاية الفقيه والمرجعية؟ شرح نظرية ولاية الفقيه. ما هي ولاية الفقيه عند الشيعة؟ وصايا الإمام الخميني. نهج الامام الخميني في الحكم. نظرية الامام الخميني في الحكومة الإسلامية.