إنّ المبلّغ الذي يحمل الرسالة ويـريد أن يشقّ لها الطريق في عالــم الدنيا، في عالم الناس الذي هو مجال التبليغ، حينما يريد أن يشقّ للرسالة طريقاً، يشقّ في نفس الوقت طريقاً لنفسه، وهذا معناه أنّ طريق الرسالة هو طريق الرسول أو طريق القائد أو طريق المبلّغ وطريق الرسالة هو طريق من حمل هذه الرسالة .
أتّحدث في طبيعة انتصارات الرسالة مع انتصارات الشخص، وانتصارات الشخص مع انتصارات الرسالة ، التقت إلى حدّ كبير مصالح الشخص مع مصالح الرسالة ، ومصالح الرسالة مع مصالح الشخص، هذا يعني: أنّ عمليّة التبليغ يمتزج فيها قطبان، يمتزج فيها عنصران : عنصر الرسالة وعنصر المبلّغ الذي يحمل أهداف الرسالة، ويسعى في سبيل تحقيقها، إذ لا يمكن أن تتمّ عمليّة التبليغ بدون إنسان يسعى لتحقيق تلك الأهداف، وإلاّ بقيت الرسالة وحدها معلّقة بدون تبليغ بين الأرض والسماء، كما أنّ المبلّغ بدون رسالة لا يمكن أن يكون مبلّغاً .
فعمليّة التبليغ بطبيعتها توحّد بين عنصرين : بين الرسالة والإنسان الذي يضطلع بمسؤوليّات تلك الرسالة ، أو المجموعة من الناس التي تعيش أهداف تلك الرسالة وتسعى في سبيل تحقيقها ، وهذا التوحّد بين هذين العنصرين يقتضي توحّدهما صريحاً وانتصاراً وانكساراً ، وتوحّدهما تقدّماً وتأخّراً، وتوحّدهما في المشاكل والمتاعب من ناحية ، وفي المكاسب والفوائد من ناحية اُخرى ، وتوحّدهما في الآلام والآمال، فآمال الداعية هي آمال الرسالة وآلام الداعية هي آلام الرسالة، لأنّه يريد أن يشقّ الطريق للرسالة .
من يكون بيده مصباح من نور ، ومن يريد أن يشقّ الطريق بهذا النور ماذا يصنع؟ إنّه في نفس الوقت وبصورة أوتوماتيكيّة يشقّ الطريق لنفسه، لأنّ المصباح بيده ، فطريق المصباح هو طريق صاحب المصباح .
هذا التوحّد بين الرسالة وبين الأشخاص الذين يعملون من أجل هذه الرسالة في الطريق ، بالانتصار والانكسار ، بالمشاكل والمصاعب ، والمكاسب والفوائد ، هذا التوحّد هو مصدر الخطر، وذلك لأنّ الرسالي الذي يشقّ هذا الطريق يجب عليه أن يبقى دائماً على درجة كبيرة كبيرة من الإحساس، لأنّه يشقّ الطريق للرسالة ، وإنّه إنّما يمشي في هذا الطريق لأ نّه كلّف بمشيه من قبل هذه الرسالة، لأ نّه يحمل بيده المصباح، ولو توقّف لتوقّف هذا المصباح .
يجب عليه أن يشعر بأنّ هذا الطريق منسوب إليه نسبة حرفيّة، ومنسوب إلى الرسالة نسبة اسميّة . يجب عليه أن يشعر بأنّه هو في تحرّكاته ، وفي مصالحه ، وفي فوائده ، وفي خسائره ، إنّما يحسب الحساب للرسالة لا لنفسه ، وهذا الشعور هو الذي قد يتحرّك ، هو الذي قد يتأرجح ، هذا الذي قد يبدو في بعض الأحيان صعباً على الإنسان ما لم يؤته الله التأييد،
ذلك أنّ الإنسان الداعي بحكم عمله لا بدّ له أن يفكّر في مصالح ومفاسد هذا الطريق ، لا بدّ له أن يفكّر تفكيراً إيجابيّاً في الدنيا، لأنّ الدنيا هي مجال عمله وبهذا قد ينفتح له من هذه الإيجابيّة مشاعر ومشاعر ، وقد ترد على قلبه انفعالات وانفعالات ، وإذا به يخرج عن كونه ذلك الداعية المبلّغ الأمين الحامل للرسالة ، قد يختلط عليه في أثناء الطريق المعنى الاسمي بالمعنى الحرفي ، وقد ينقلب المعنى الحرفي عنده إلى معنى اسمي وقد يتضاءل عنده المعنى الاسمي ويبرز الحرفي ، قد يتعوّد عقله على التفكير في منطق المصالح والمفاسد ، فيتحوّل هذا العقل إلى عقل مصلحي ، كالعقل الذي يعيشه أصحاب الاتّجاه الأوّل .
كلمات لم تنشر من محاضرة صوتية للشهيد الصدر (ره)