بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: علم الكلام الجديد.
المحور الثاني: الدرس الأول.
التعددية الدينية
هو من أهم محاور الفكر في عصرنا، إذ يشغل اليوم بال الكثير من الباحثين والعلماء والمفكرين في العالم الإسلامي برمته. كما شغل أيضاً وما يزال يشغل الحياة الثقافية في الغرب.
سوف نقسم بحث التعددية الدينية على حلقات:
في الحلقة الأولى سوف نتعرض لبعض الموضوعات التي لها علاقة بالمصطلح، وبالمفهوم، وبتاريخ هذه النظرية وبأهم أعمدتها، وخلاصة مؤداها. ثم في مرحلة لاحقة نبحث في معانيها، وعدد هذه المعاني. وبعد ذلك نبحث في المناخ الذي يحكمها، بمعني أنه لا يمكن فهم هذه النظرية إلا في مناخها الخاص. وفي المرحلة الأخيرة نناقش أدلة النظرية.. إذاً نحن أمام أربع مراحل تقريباً.
الأولى: ما يتعلق بتعريف التعددية الدينية وبعض ما يتصل بها من مصطلحات ومفاهيم.
الثانية: ما يتعلق بدراسة معاني هذه النظرية وأشكالها، لأن لها أشكالا ً متعددة.
الثالثة: ما يتعلق بالمناخ الحاكم على هذه النظرية وما يتصل منها بهذا المناخ.
الأخيرة: نبحث حول أدلتها والنقاشات حولها.
النقطة الأولى:
إنَّ مصطلح التعددية مع الأسف كأكثر مصطلحات علم الكلام الجديد، غامض غير واضح، مشتبك تتداخل فيه مفاهيم ومقولات متعددة.
سنستخدم طريقة تدريجية في عرضنا لهذه النظرية; أي نظرية التعددية الدينية، وربما ستتضح في نهاية هذا المحور بشكل كامل. لأنها متشعبة ومتداخلة، والذين تصارعوا فيها كان كل واحد منهم يفهم الآخر على طريقته. فلذلك ظهرت حالة من الالتباس وحالة من الغموض في فهم هذه النظرية. فواحد يعني بالتعددية الدينية أن كل الأديان حق، وأن (الله موجود والله غير موجود) قضيتان صحيحتان و (هذا قلم وهذا ليس بقلم) قضيتان صحيحتان.
أما البعض فيقول: ليس المقصود بالتعددية هذا المعنى، بل المقصود معنى آخر، فقولنا: (هذا قلم موجود وهذا القلم غير موجود) قضيتان: القضية الأولى منها نصفها صحيح ونصفها خطأ، والثانية نصفها صحيح ونصفها خطأ.
ومعنىً آخر يقول: المقصود بالتعددية الدينية أن تتعايش الأديان مع بعضها البعض. فالمسيحي يعيش مع اليهودي، واليهودي يعيش مع المسلم في جو من الوئام والتعايش السلمي.
إنَّ كثرة المفاهيم التي دخلت في موضوع التعددية أدت إلى شيء من الالتباس، لذلك نحن سوف نصعد درجة درجة في عملية فهم هذه النظرية ومن ثم في عملية تكوين تصور حولها.
أول شيء نريد أن نعرفه: ما معنى مصطلح التعددية الدينية؟ كمصطلح لا كنظرية.
التعددية الدينية: مصطلح جاء من كلمة (كلورل) وهي كلمة إنجليزية، وقد فُسرت في المعاجم بمعنى التعدد والكثرة مقابل الوحدة والتفرد والأحادية. وإذا أضفت إليها اللاحق (ايزم ism) بالإنجليزية تصبح: (كلورليزم)؛ يعني المذهب ألتعددي، المذهب التكثري، أو مذهب الكثرة.
ما معنى المذهب التكثري؟
يعني المذهب الذي يؤمن بالتعدد، أو على تفسير آخر يذكره بعض الباحثين “المذهب الذي يتقبل التعدد”. إذاً أصل الكلمة جاءت من اللغة الإنجليزية كمصطلح لا ككلمة، وهي كمصطلح تعني التعدد والكثرة، وأصل المصطلح غربي.. هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية:
حينما نقول عن شخصٍ أنه كلورالي، قديماً كان يعني بالموظف الذي يحمل عدة مناصب في الكنيسة، وكل من كان موظفاً في الكنيسة يحمل في يده عدة مناصب أو عدة مسؤوليات، فهو كلورالي، أي هذا “المطران” أو هذا “الخوري المسيحي” أو رجل الدين المسيحي، بإمكانه داخل الكنيسة أن يحمل عدة وظائف. أما إذا كان رجل الدين المسيحي لا يمكن في داخل الكنيسة أن يحمل إلا وظيفة واحدة. فهذا معناه إنه ليس (كلورالياً).
إذاً فأصل المصطلح غربي، ولد في رحم الكنيسة، وكان يعني تَسلُّم رجل الدين عدة مناصب. ثم بعد ذلك خرج هذا المصطلح من الكنيسة – كأنه مصطلح إداري في الكنيسة – ودخل في عالم الفلسفة، وصار المذهب الكلورالي في الفلسفة بمعنى المذهب الذي يقول بوجود حقائق عدة.
إنَّ للمذهب الكلورالي في الفلسفة عدة مذاهب، وليس مذهباً واحداً، لكن حينما يقول المذهب الفلسفي الكلورالي بالتعددية، يعني المذهب الذي يعتقد بوجود عدة حقائق لا حقيقة واحدة، ثم بعد ذلك خرج هذا المصطلح من الفلسفة ودخل في الحياة، وصار فيها مثقفون تعدديون بين بعض المثقفين الغير تعدديين، ونسميهم انحصاريون، أو أحاديون.
في الاجتماع، بعض الاجتماعيين تعدديون، يؤمنون بالتعددية الاجتماعية، وبعضهم غير تعددين، في السياسة بعضهم يعتقد بالتعددية السياسية، وبعضهم لا يعتقد بذلك، وكذلك في الأحزاب، إذاً هذا المصطلح ولد في الكنيسة، ثم جاء من الكنيسة إلى الفلسفة، ومن الفلسفة دخل مختلف مجالات الحياة، فصار عندنا تعددية فلسفية، ثقافية، اجتماعية، سياسية، حزبية وأصبح لدينا أيضاً تعددية دينية.
التعددية السياسية: وهو النظام الذي يؤمن بحق الشعب والفئات والقواعد الجماهيرية. أي أن يكون لها رأي في السياسة حتى لو كانت تحمل عشرة آراء. فالآراء المختلفة في السياسة والاتجاهات المختلفة فيها، بإمكانها أن تشارك في السلطة.