Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار الحوزة العلميةالعناوين

الحـوزة العلميـة وتحـديات المرحلـة..مـُمكنات الفعـل ومعوِّقـات الـدور

 هاشم الحسني

لا شك أن وضع الحوزة العلمية عرف انتقالات وطفرات هائلة منذ انتصار الثورة الإسلامية المباركة بقيادة الإمام الخميني (رض)، وهو الانتصار الذي انتقل بها من الدور العلمي التقليدي ومن مستوى محدود في الأداء السياسي ـــ على اعتبار أن الموقف من التصدي للعمل السياسي لم يكن يمثل فكرة الجميع و لا هو في دائرة اهتمامات بعض الدوائر الدينية،بناء على مباني فقهية تُحترم على كل حال _ إلى مرحلة مغايرة تماما ،

وهكذا وبعد الانتصار وجدت قطاعات داخل الحوزة نفسها أمام استحقاقات جديدة ودقيقة تتمثل في التأسيس القانوني والفقهي لتجربة الدولة وفي لزوم الاستجابة لمتطلباتها في التشريع ومواكبة حاجاتها المتجددة في كل المجالات، بل كان التحدي هو في بناء نمط الدولة الإسلامية الذي يتجسد فيه قيم الدين وانتظارات المحرومين والقادر على تحقيق أهداف النهضة الاسلامية وتقديم النموذج على الصعيد العالمي في سياق إعادة محورية الدين إلى الحياة والتاريخ.

وإذا كانت الحوزة قد أطلت في السابق على العالم بعطائها الفكري وإنتاجها العلمي المتين ،ورفدت حقول المعرفة الدينية والإنسانية بعطاءات هامة وثرية فان ثورة الاتصال التي تسارعت في نهايات القرن الماضي ولازالت تتطور باستمرار قد غيرت كثيرا من معطيات الزمان والمكان وهذا ما سيعبر عنه بان العالم صار قرية صغيرة .وبالتالي وبموجب هذا المعطى الهام على صعيد التجربة الإنسانية صرنا أمام جدليات الأنا والآخر أكثر من أي وقت مضى وانفتحت أمامنا مجالات التأثير والتأثر ،وصار الآخر قريبا جدا منّا وبعيدا عن إبهامات المسافة، فقط تكفي الرغبة في معرفته واستكشاف بُناه الفكرية والفلسفية ومكوّنات هويته الثقافية عبر خوض تجربة الحوار معه التماسا للمشترك وحجاجا في المختلف وإجتراحا للتعارف على مقتضى سنة الله الجارية في الشعوب و الجماعات.


وعلى قاعدة هذا الوضع، وهو معطى تاريخي مميز وسياق تواصلي فريد وغير مسبوق في تاريخ التجربة الإنسانية انفتحت أمام الحوزة العلمية إمكانات هائلة وهوامش عريضة لتوسيع دائرة إشعاعها العلمي والفكري ، ولاختبار فلسفتها الدينية والأخلاقية .. والذي يعزز قوة هذا الدور من جهة أخرى ويرقى به إلى مستوى الدور التاريخي والحضاري هو سياق التجربة الغربية المأزومة بعد أن استنفذت مُمكنات حداثتها المفصولة عن الدين و المنفصلة عن الأخلاق، وهو الوضع الذي هيأ أسباب ومقدمات العودة إلى الدين والدعوة إلى الأخلاق في أوساط الفلاسفة والمفكرين الغربيين ، وهو سياق ايجابي إذا عرفت الحوزة كيف تستفيد منه.


وإذا كنا قد المحنا إلى الغرب دون المساحات الأخرى الأسيوية والإفريقية فلاعتبار أن الساحة الغربية استنفذت قدرتها على التجدد الفكري الفلسفي إلا من محاولات محدودة ذات منزع ديني وأخلاقي .

لكن الحوزة هذه و التي تقف أمام استحقاقات بحجم الرسالة الأخلاقية العالمية، واستحقاقات الحوار على صعيد المذاهب و الأديان حتى يستعيد الدين دوره في المجتمع الإنساني، ودورها المتوقع على صعيد تجفيف منابع التطرف و مظاهره والتي تتلبس بلباس الدين، ورفد حركة العودة إلى الدين عالميا وتقوية مرجعيته.. تــحتاج (أي الحوزة) أن تتحرر من كثير من مظاهر التقليد وشكلياته، وعليها أن تنخرط في روح العصر وتستفيد من كل إمكاناته التقنية والإدارية،وتفعيل حركة الترجمة لنقل فكر الآخر لدراسته، خاصة في المجالات الفلسفية و الأخلاقية و في مجال الدين و الإلهيات، كما عليها القيام بنشر إصداراتها العلمية باللغات الأجنبية،وتطوير اهتمامها بهذه اللغات من خلال مؤسسات مؤهلة بل وبإرسال بعثات إلى الخارج، ويبقى الإعلام وخاصة المرئي منه رهان يستحق الاهتمام، فمعظم المؤسسات الدينية لها منذ سنوات محطات راديو تبث بمختلف اللغات الحية ،و صار لها الآن قنوات فضائية بأكثر من لغة.

أما إذا اعتبرنا بعض التجارب الإعلامية ذات صلة بالمجال الحوزوي فإنها للحقيقة لا تدفع إلى التفاؤل لافتقارها إلى المهنية و عجزها على التكيف مع مقتضيات و خصوصيات الخطاب الإعلامي.. وإنها لمفارقة أن تبادر إدارة قناة الجزيرة القطرية لإطلاق قناة الجزيرة انترناشيونل باللغة الانجليزية لتستقطب حوالي 80 مليون مشاهد في العالم موسعة بذلك شبكة قنواتها للنهوض برسالتها الإعلامية،

في حين تبقى الحوزة ذات الرسالة الخالدة غائبة عن الحضور الإعلامي الفضائي المهني حتى مع توفر الإمكانات المادية الضخمة، و غير ملتفتة إلى مجالات الاستثمار المالي و الإعلامي على الأقل في حقل الأعمال الدرامية السينمائية (الإسلامية و التاريخية..) كما تفعل الكنيسة الانجليكانية في بريطانيا و التي عُــدّت من انجح الهيئات الاستثمارية في العام الماضي.

نتمنى أن تكون هذه الملاحظات مقدمة لفتح حوار جاد و مسؤول عن الحوزة و الدور التاريخي المنتظر و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل.
( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون )

المرفأ – العدد التاسع 24 محرم 1428 ه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى